قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء المتقاعد فايز الدويري إن المعطيات الميدانية الأخيرة جنوبي قطاع غزة تؤشر إلى اقتراب مرحلة جديدة من الاشتباكات العنيفة، مرجحا احتدام المعارك في المثلث الواقع بين محور موراغ وشارع صلاح الدين (المعروف إسرائيليا بمحور فيلادلفيا).
وأشار الدويري، في تحليل للمشهد العسكري في القطاع، إلى أن خزان النجار، جنوبي خان يونس (جنوبي القطاع)، يُعد من أبرز النقاط التي شهدت نشاطا لافتا خلال المرحلة الثانية من الحرب، حين دفعت إسرائيل بنحو 5 فرق عسكرية كان معظمها متمركزا في تلك المنطقة، مما يعكس أهميتها الإستراتيجية في عمليات المقاومة.
وكانت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- قد أعلنت تنفيذ سلسلة من العمليات في قيزان النجار، استهدفت من خلالها جرافات عسكرية إسرائيلية واستدرجت قوة خاصة إلى فتحة نفق مفخخة، مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الجنود الإسرائيليين، وفق بيان الكتائب.
وأوضح الدويري أن خزان النجار شكّل نقطة ارتكاز لافتة خلال اقتحام جيش الاحتلال السابق للمنطقة، مشيرا إلى أن المقاومة تمكنت من تنفيذ عمليتين نوعيتين في اليوم نفسه، تضمنت إحداهما استهداف جرافات، بينما تم في الثانية استدراج قوة إسرائيلية إلى النفق وتفجيره بعد دخول عدد من الجنود إليه.
وأضاف أن العمليات الجديدة التي استهدفت 3 جرافات يوم الخميس، تميزت باستخدام عبوات مختلفة شملت عبوة “شواظ”، وعبوة برميلية، وصاروخ “الياسين”، لافتا إلى أن عودة استخدام هذا الصاروخ للمرة الثانية يعكس قرب مسافة الاشتباك ويشير بوضوح إلى وجود عناصر المقاومة على الأرض.
أساليب متنوعة
ورأى أن تنوع أساليب الاستهداف من عبوات مزروعة إلى صواريخ مباشرة يدل على أن المقاومة لا تزال تدير الاشتباك من مسافات قريبة وتتحكم في آلية التفجير، وهو ما يعزز فرضية أن المقاتلين لا يزالون يحتفظون بمرونة ميدانية رغم القصف المكثف.
وعن التغير في إدارة المعركة من الجانب الإسرائيلي، أكد الدويري أن وصول رئيس الأركان الجديد إيال زامير، ترافق مع اعتماد مقاربة جديدة، حيث باتت 80% من القوة النارية المستخدمة ضد غزة مصدرها سلاح الجو، مقابل 10% للمدفعية، و10% فقط للقوات البرية، ما يحدّ من فرص المواجهة البرية المباشرة.
واعتبر أن هذه المعادلة النارية تمنح إسرائيل سيطرة من الجو، لكنها تضعف فعالية القوات البرية، وهو ما تسعى المقاومة لاستغلاله من خلال الكمائن والهجمات النوعية التي تستهدف القوات المتحركة لا الجوية.
وبحسب الدويري، فإن المقاومة تُظهر قدرة تكتيكية بارزة في التوقيت والمكان، إذ تنجح في توظيف الفراغ الميداني الناتج عن الانسحابات الإسرائيلية المؤقتة لتوجيه ضربات محددة، كما تفعل في خزان النجار حاليًا، بعدما كانت قد نفذت عمليات مماثلة شرق حي التفاح وتل المنطار.
ولفت إلى أن مستوى الاشتباك الحالي يُعد محدودا نسبيا، إلا أن المؤشرات تشير إلى أن منطقة موراغ الممتدة حتى شارع صلاح الدين، والبالغة نحو 75 كيلومترًا مربعًا، ستكون ساحة المعركة الأشد، خاصة مع إعلان الاحتلال عزمه ضمها إلى ما يُعرف بالمناطق العازلة.
ويرى الدويري أن إسرائيل لا يمكنها فرض سيطرتها الكاملة على تلك المنطقة دون تصفية ما تبقى من قدرات المقاومة، وهو ما يعني أن المواجهة المقبلة ستكون حتمية، ومفتوحة على كافة السيناريوهات العسكرية.