يتوافد عشرات السياح يوميا إلى حي “لا لاتينا” العريق في مدريد، حيث يتجمعون أمام واجهة خشبية لمطعم قديم يثير فضول المارة.
لكن الزوار لا يأتون إلى هنا من أجل تذوق الأطباق الإسبانية فقط، بل لاختبار لمحة من التاريخ الحي.
إنه مطعم “بوتين”، المطعم الذي يقال إنه الأقدم في العالم، والذي تحتفل موسوعة غينيس للأرقام القياسية بمرور 300 عام على افتتاحه المستمر منذ عام 1725.
ويقول السائح البريطاني توماس دونيغان وهو يلتقط الصور أمام مدخل “بوتين”: “سمعنا أنه مطعم رائع، ويقال إنه الأقدم في العالم، وهذا ما أكدته موسوعة غينيس. لذلك جئنا إلى هنا”.
وتأسس المطعم على يد الشيف الفرنسي جان بوتين، الذي أدار المكان قبل أن ينتقل لاحقا إلى ابن أخيه.
وفي بداياته، لم يكن بإمكان المطعم بيع الطعام الجاهز بسبب القيود القانونية السائدة آنذاك، وكان الزبائن يجلبون مكوناتهم ليطهى لهم الطعام في المطبخ.
ومع مرور الوقت، وتحديدا في القرن التاسع عشر، أصبح “بوتين” مطعما متكامل الخدمات، وما زال يحتفظ بموقعه الأصلي في شارع “كوتشيليروس”، على بعد خطوات من ساحة “بلازا مايور” التاريخية.
ويوضح خوسيه غونزاليس، صاحب المطعم الحالي أن “ما يجعله الأقدم في العالم هو أربعة شروط أساسية حددتها غينيس: الاستمرارية، نفس الموقع، نفس الاسم، ونفس النشاط”.
وأحد أبرز معالم المطعم هو فرنه التقليدي المصنوع من الجرافيت والطوب المقاوم للحرارة، والذي لم يبرد منذ أكثر من قرنين.
حتى خلال الإغلاق الناتج عن جائحة كوفيد-19، ظل الموظفون يعتنون بالنار المشتعلة خشية أن يؤدي انطفاؤها إلى تشقق الفرن.
ويطهى الفرن العريق الطبق الأشهر للمطعم: الخنزير الصغير المشوي، المتبل بخليط من الثوم والبصل والبقدونس والبابريكا وورق الغار والنبيذ الأبيض.
وطوال تاريخه، استضاف المطعم شخصيات بارزة، من وودي آلن وأرنولد شوارزنيغر، إلى الكاتب الأمريكي إرنست همنغواي، الذي ذكر المطعم في اثنتين من رواياته.
ورغم مكانته، لا يخلو الأمر من بعض الشكوك. إذ يقول المؤرخ بيدرو مونتوليو، إن أقدم الوثائق المتوفرة تعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وإنه لا توجد أدلة قاطعة تربط بين ذلك التاريخ والمطعم الأصلي في عام 1725.
إلا أنه بالنسبة لغينيس والسياح على حد سواء، يبقى “بوتين” رمزا للضيافة والتاريخ، ووجهة لا غنى عنها في قلب مدريد.