نشرت في
•آخر تحديث
قبل أكثر من قرن، وتحديداً في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1917، وجّه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور رسالة إلى المصرفي اليهودي البريطاني البارون روتشيلد، أعلن فيها دعم بلاده لتأسيس “وطن قومي لليهود في فلسطين”.
ولم تكن الرسالة طويلة، لكنها كانت كفيلة بإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط لعقود، وإشعال أحد أطول الصراعات في العصر الحديث.
وجاء “وعد بلفور”، كما عُرف لاحقاً، في لحظة فارقة من الحرب العالمية الأولى، بينما كانت الإمبراطورية العثمانية تلفظ أنفاسها الأخيرة، وتسعى القوى الاستعمارية الكبرى إلى اقتسام تَرِكتها. وقد مثّل الوعد حينها خطوة سياسية مدروسة من بريطانيا، التي رأت فيه وسيلة لكسب دعم الجاليات اليهودية المؤثرة، خصوصاً في الولايات المتحدة، بهدف تقوية موقعها في الحرب ودفع واشنطن للانضمام إلى صف الحلفاء.
نص الرسالة
الرسالة التي حملت توقيع بلفور، وجّهها إلى اللورد روتشيلد بعبارات مقتضبة لكنها واضحة، وتضمنت:
“يسرّني جدًا أن أبلّغكم، بالنيابة عن حكومة جلالة الملك، التصريح التالي الذي يُعبّر عن التعاطف مع طموحات اليهود، والذي قُدِّم إلى الحكومة ونالت موافقتها عليه:
إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل قصارى جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم بوضوح أنه لن يُتخذ أي إجراء من شأنه أن يَمسّ الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، أو الحقوق والوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.”
ويسرّني أن أطلب منكم إبلاغ هذا التصريح إلى الاتحاد الصهيوني”.
ورغم أن النص لم يشر صراحة إلى “دولة”، فإن مضمونه فتح الباب أمام المشروع لإقامة دولة إسرائيل عام 1948، أي بعد 31 عاماً من صدور الرسالة.
من وعد إلى واقع
تحوّل وعد بلفور إلى نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من تاريخ المنطقة، إذ شجع على موجات هجرة يهودية واسعة إلى فلسطين بين الحربين العالميتين، في ظل تصاعد العداء لليهود في أوروبا. كما شكّل دعماً سياسياً ومعنوياً كبيراً للحركة الصهيونية التي كانت تبحث عن اعتراف دولي بمشروعها.
وتعدّدت التفسيرات وراء إصدار الوعد، فبينما يرى بعض المؤرخين أنه جاء نتيجة حسابات سياسية بريطانية بحتة هدفها كسب النفوذ اليهودي العالمي، يرى آخرون أن خلفيات دينية لعبت دوراً في القرار، انطلاقاً من اعتقاد بعض الساسة البريطانيين بأن “الكتاب المقدس يمنح اليهود حقاً تاريخياً في أرض فلسطين”.
ومنذ ذلك التاريخ، لم يتوقف النقاش حول وعد بلفور وما ترتب عليه. فبينما اعتبرته الحركة الصهيونية أساس “الشرعية الدولية” لإسرائيل، ينظر إليه الفلسطينيون والعرب على أنه “وعد من لا يملك لمن لا يستحق”، ويعد في نظرهم نقطة البداية لما يعتبرونه مأساة مستمرة للشعب الفلسطيني.
جدير بالذكر أنه في مايو 2022، قدمت منظمات حقوقية فلسطينية دعوى قضائية ضد بريطانيا أمام محكمة بريطانية، متهمةً إياها بالتسبب في معاناة الفلسطينيين عبر وعد بلفور الصادر عام 1917. وقالت المنظمات إن الوعد شكّل “أساساً غير قانوني لتهجير الشعب الفلسطيني بأكمله”، ويمثّل “انتهاكاً صارخاً لحقوق الفلسطينيين خلال فترة الانتداب البريطاني”.
وكانت بريطانيا قد اعترفت في سبتمبر/أيلول الماضي بالدولة الفلسطينية.













