مؤتمر المانحين في بروكسل يبحث دعم سوريا بعد سقوط الأسد، وسط تعهدات أوروبية بتمويل إعادة الإعمار، ومخاوف من تصاعد العنف الطائفي. كما يناقش المؤتمر مستقبل اللاجئين وإمكانية عودتهم، فيما تواجه الحكومة الانتقالية اختبارًا حقيقيًا لتحقيق الاستقرار.
افتتح الاتحاد الأوروبي اليوم في بروكسل مؤتمر المانحين لدعم سوريا، بحضور كبار المسؤولين الأوروبيين وممثلي الحكومة الانتقالية السورية، في أول ظهور رسمي لها على الساحة الأوروبية منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي. وتهدف القمة إلى تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في سوريا، وسط تحديات إنسانية وأمنية متفاقمة.
وفي تطور لافت، شهد المؤتمر مشاركة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ليكون بذلك أول تمثيل رسمي للحكومة الانتقالية في أوروبا منذ سقوط الأسد. وتأتي مشاركته وسط جهود دولية لدعم إعادة إعمار سوريا، حيث يناقش القادة الأوروبيون دور بنك الاستثمار الأوروبي (EIB) في تمويل مشاريع إعادة الإعمار، التي تقدر تكلفتها بين 230 و370 مليار يورو.
دستور انتقالي واتفاق مع الأكراد.. خطوات نحو الاستقرار؟
وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يوم الإثنين أن الاتحاد الأوروبي مستعد للعمل مع الحكومة الانتقالية في سوريا لدعم جهود إعادة البناء وإنعاش الاقتصاد، رغم أعمال العنف الأخيرة التي تلقي بظلال من الشك على استقرار المرحلة الانتقالية في البلاد بعد الإطاحة ببشار الأسد.
وأعلنت فون دير لاين خلال مؤتمر المانحين السنوي في بروكسل عن تخصيص 2.5 مليار يورو إضافية لدعم السوريين داخل البلاد وفي الدول المجاورة مثل الأردن ولبنان والعراق وتركيا، مع توقعات بأن تعلن الدول الأعضاء في الاتحاد عن مزيد من التعهدات المالية.
من جانبها، كشفت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك عن التزام ألمانيا بتقديم 300 مليون يورو كمساعدات إضافية، مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لجذب الاستثمارات الدولية لإعادة إعمار سوريا، بشرط استمرار الحكومة الانتقالية في تحقيق الانتقال السياسي الشامل الذي يضمن تمثيل جميع أطياف المجتمع.
ووصفت فون دير لاين توقيع الدستور الانتقالي يوم الخميس الماضي بأنه “خطوة تاريخية”، مشيدة بالاتفاق الأخير بين الحكومة الانتقالية وقوات سوريا الديمقراطية، التي تسيطر على المناطق الغنية بالموارد في شمال شرق البلاد، معتبرة أنه يمهد لمزيد من الاستقرار السياسي.
وأضافت: “لطالما عملنا من أجل سوريا والسوريين، لكن اليوم، يمكننا أخيرًا العمل مع سوريا نفسها.”
تصاعد العنف في الساحل السوري يلقي بظلاله على المؤتمر
رغم الدعم الأوروبي للحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع، القيادي السابق في تنظيم القاعدة، فإن اندلاع أعمال عنف مروعة في الساحل السوري قبل أيام يثير قلق المانحين.
ووفقًا لجماعات حقوقية، قامت ميليشيات مرتبطة بحكومة الشرع بقتل ما يصل إلى 1300 شخص خارج نطاق القضاء، كردٍّ على هجمات فلول قوات الأسد. كما أكدت الأمم المتحدة أن الضحايا شملوا عائلات بأكملها، بينهم نساء وأطفال، في إعدامات طائفية استهدفت مناطق ذات أغلبية علوية.
ووصفت كبيرة دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، العنف الأخير بأنه “مثير للقلق”، مشيرًا إلى أن الأوضاع في سوريا “معلقة بخيط رفيع”، مما يعكس هشاشة المرحلة الانتقالية.
في محاولة لدعم التعافي الاقتصادي، كان الاتحاد الأوروبي قد رفع بالفعل عقوبات واسعة النطاق على قطاعات الطاقة والنقل والتمويل، رغم الانتقادات بأن تخفيف الضغط الاقتصادي عن دمشق قد لا يترافق مع تحقيق الاستقرار الأمني.
وأكدت كالاس أن الاتحاد الأوروبي سيواصل تنفيذ خارطة الطريق التي وضعها لتخفيف الضغط عن سوريا، لكنه سيظل يراقب مدى التزام الحكومة الانتقالية بالمحاسبة وضمان التعددية السياسية.
وأضافت: “نريد أن نرى القيادة الجديدة تحاسب المسؤولين عن العنف، كما نريد حكومة أكثر شمولية.”
ومن جانبها، أعلنت بيربوك أن أكثر من نصف المساعدات المقدمة في المؤتمر سيتم توجيهها للسوريين داخل البلاد، من دون التنسيق مع الحكومة الانتقالية في دمشق، مشيرة إلى أن الدعم سيركز على توفير الغذاء، والخدمات الصحية، والمأوى الطارئ، وحماية الفئات الأكثر ضعفًا. كما سيتم تخصيص جزء من هذه المساعدات لمجتمعات اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان والعراق وتركيا. وأكدت بيربوك مجددًا أهمية التوصل إلى حل سياسي شامل يضمن مستقبلًا مستقرًا لسوريا، داعية الحكومة الانتقالية إلى فتح تحقيق في جرائم القتل الجماعي التي استهدفت مئات المدنيين في المناطق العلوية، ومحاسبة المسؤولين عنها.
ومع استمرار نقص الكهرباء والمياه والاحتياجات الإنسانية الملحّة في سوريا، أعرب مسؤولون أوروبيون عن قلقهم من تداعيات قرار الإدارة الأمريكية بتجميد المساعدات، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
وفي محاولة لدعم الاستقرار الاقتصادي، رفع الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي العقوبات عن قطاعات الطاقة والنقل والقطاع المالي، إلا أن الولايات المتحدة لم تتخذ خطوات مماثلة حتى الآن، مما يثير تساؤلات حول مدى تنسيق الجهود الدولية لدعم سوريا.
وفي مواجهة هذه الاتهامات، أعلن الشرع، عن تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لكشف ملابسات الجرائم، بينما دعت بروكسل إلى إجراء تحقيق سريع وشفاف ومحايد لضمان عدم وقوع انتهاكات جديدة.