نشرت في
في جميع معاركها، تعتمد إسرائيل نهجًا حذرًا في التعامل مع تغطية وسائل الإعلام للأحداث الأمنية الحساسة، فتتجنب الإفصاح عن مدى دقة الهجمات التي تتعرض لها، سواء أصابت أهدافها بدقة أو أخطأتها. كما تحمي تحركات قواتها على الأرض، وحتى بعض نتائج الجلسات الحكومية، فتمنع الصحفيين من نشر ما تعتبره إحداثيات ومعلومات استخباراتية قد تُسهل على “الأعداء” استغلالها.
ورغم انتقادات البعض بأن هذا النهج المتشدد يتعارض مع المبادئ الديمقراطية داخل إسرائيل، يرى آخرون أنه ساعد في الحفاظ على صورة الدولة كقوة نافذة في العالم، وجعل اختراقها الاستخباراتي أكثر صعوبة.
ومنذ اندلاع المواجهة مع طهران، تصدر الرقابة العسكرية تعليمات دورية للمواطنين بوجوب منع نشر مقاطع الفيديو التي توثق مواقع سقوط الصواريخ، وتطالبهم بإغلاق كاميرات التصوير المفتوحة في محيط المواقع الاستراتيجية والعسكرية.
كما أنها فرضت قيودا على موقعين تعرضا لقصف صاروخي من ايران، حسبما نقل الإعلام العبري.
رغم ذلك، تنتشر على مواقع التواصل العبرية تسريبات من هواتف مواطنين إسرائيليين أو حتى عرب داخل الخط الأخضر، توثق أماكن سقوط الضربات الإيرانية، فيما تلتزم وسائل الإعلام العبرية الرئيسية مثل “يديعوت أحرونوت” و”تايمز أوف إسرائيل” و”يسرائيل هيوم”، وحتى صحيفة “هآرتس” الليبرالية، المعروفة بمواقفها المعارضة لحكومة بنيامين نتنياهو، بالصمت.
جلسة لتعميم الإرشادات على وسائل الإعلام الأجنبية
وقد انتقدت صحيفة “يسرائيل هيوم” بعض تغطيات وسائل الإعلام العربية، مثل قناة “الجزيرة” القطرية داخل الأراضي الإسرائيلية، بدعوى أنها “تبث مباشرة مواقع سقوط الصواريخ في إسرائيل، مخالفةً للإرشادات الأمنية”.
وقد أصدر وزير الأمن القومي بيانًا مشتركًا مع وزير الاتصالات الإسرائيلي، أعلنا فيه أن السلطات تحقق في المزاعم المتعلقة ببث صور لمواقع سقوط الصواريخ الإيرانية.
وأوضح البيان أن فرق التفتيش الميدانية تأكدت من أن المصورين لا ينتمون إلى قناتي الجزيرة أو الميادين، بل إلى وسائل إعلام أجنبية أخرى. كما أشار إلى أنه لا يوجد حظر شامل على التصوير، شريطة التزام المصورين بتعليمات الرقابة العسكرية وعدم انتهاكها.
وفي السياق نفسه، طلب وزير الاتصالات عقد جلسة عاجلة مع الرقابة العسكرية، لبحث وتوضيح إجراءات تطبيق تعليمات الرقابة على مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية الذين قد يشكلون تهديدًا لأمن الدولة.
هيئة الرقابة العسكرية داخل الجيش الإسرائيلي
في عام 1953، تم تنظيم العلاقة بين الجيش ووسائل الإعلام في إسرائيل عبر إنشاء لجنة المحررين، التي منحت الصحفيين درجة من الرقابة الذاتية، مع اشتراط الحصول على موافقة عسكرية لنشر المقالات الحساسة، تحت طائلة الملاحقة والعقوبات القانونية.
تستند الرقابة الإسرائيلية إلى قوانين الطوارئ الصادرة عن الانتداب البريطاني عام 1945، كما تحظر القوانين الإسرائيلية نشر أي مواد سرية من الأرشيف القومي قبل مرور ربع قرن على الأقل.
وينص البند 44 من القانون الأساسي على أن “جميع قرارات الحكومة واجتماعات الوزراء التي تتناول الشؤون الأمنية تُعتبر أسرارًا يمنع نشرها، إلا بعد الحصول على إذن من رئيس الوزراء أو أي شخص مخول بذلك”.
كما تمنح القوانين الإسرائيلية الرقابة العسكرية في الجيش، منذ عام 1988 في ظل حالة الطوارئ، الحق في فحص المواد الصحفية قبل نشرها، خاصة إذا كانت تتعلق بأمن الدولة.
رقابة تشمل مواقع التواصل
مع تطور وسائل الإعلام، تطورت الرقابة العسكرية لتشمل المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث أبرمت اتفاقيات مع كبرى شركات التواصل الاجتماعي العالمية مثل فيسبوك وتويتر (إكس حاليا) ، بهدف حذف أو حظر أي محتوى تعتبره مضرًا بـ(إسرائيل)، ومع أن منصة تيلغرام تعتبر أكثر تساهلًا في هذا الصدد، تفيد تقارير بأن الرقابة العسكرية الإسرائيلية قد تدخلت في بعض الحالات لإغلاق قنوات موجودة على المنصة.
المواطنون العرب ونشر المعلومات الحساسة
وبينما يلتزم المواطنون اليهود في إسرائيل إلى حد كبير بتعليمات الرقابة العسكرية، يظهر المواطنون العرب ميلاً أكبر للتمرد، مما يجعلهم أكثر عرضة للعقوبات في هذا السياق.
وفقًا لمركز بيو للأبحاث، وهو مؤسسة أمريكية مستقلة، يميل المواطنون العرب في إسرائيل إلى نشر أو مشاركة محتوى يتعلق بالقضايا السياسية أو الاجتماعية بشكل متكرر أكثر من اليهود الإسرائيليين (28% مقابل 20%). ومع ذلك، فإن اليهود أكثر احتمالًا بحوالي الضعف مقارنة بالعرب لنشر محتوى خاصًا بحرب إسرائيل وحماس (20% مقابل 11%).
ويشير نحو ربع العرب الإسرائيليين (24%، وهي النسبة الأكبر بين المستطلعين) إلى أنهم لا ينشرون أو يشاركون محتوى عن الحرب على الإطلاق، في حين تبلغ هذه النسبة 6% فقط بين اليهود الإسرائيليين.
ومنذ أكتوبر الماضي، اعتقلت السلطات الإسرائيلية العشرات من المواطنين العرب بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بالحرب. كما تعرض عدد كبير منهم لإجراءات تأديبية في أماكن العمل والمدارس بسبب ما نشروه عبر الإنترنت، وفقًا لمنظمات حقوقية مقرها إسرائيل.