لم تعد المأساة في غزة تُروى بالأرقام، ولا تُختصر في عناوين عاجلة. بل تحولت إلى حكايات حيّة، تنطق بالجوع والانكسار، وتروى من أفواه أصحابها وهم على حافة الهاوية.
ومن هذه الحكايات، يبرز صوت الصحفي الفلسطيني بشير أبو الشعر، الذي اضطر إلى أن يعرض كاميرته -مصدر رزقه الوحيد- للمقايضة، مقابل كيس دقيق فقط، في مشهد يلخص قسوة الحصار، ومرارة الجوع، وانحناء الكرامة أمام الحاجة.
في واحدة من أكثر صور الجوع قسوة وإيلاما، كتب أبو الشعر عبر صفحته الرسمية على “فيسبوك”: “أريد كيس دقيق فقط.. لم أعد أحتمل رؤية أطفالي وهم ينامون ببطون خاوية”، معلنًا استعداده لاستبدال كاميرته من نوع “”Canon D80″” مصدر رزقه الوحيد مقابل ما يسدّ به رمق أسرته.
وفي منشوره المؤلم، عبّر عن استعداده للتخلي عن كاميرته الشخصية من نوع “”Canon D80″”، التي تمثّل مصدر دخله الوحيد، مقابل ما يسدّ به رمق أطفاله الذين أرهقهم الجوع تحت وطأة الحصار الإسرائيلي، والغلاء الفاحش، واستغلال تجار الأزمات.
لم تكن كلمات بشير مجرد عرض مؤلم، بل إعلان استسلام مؤقت أمام مجاعة متفاقمة؛ إذ لم يكن منشوره صرخة فردية فقط، بل تعبيرًا صارخًا عن واقع مأساوي يعيشه أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة، حيث يحكمهم الحصار، وتنهشهم المجاعة بصمت، في ظل ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، واستغلال قاتل من بعض تجار الأزمات.
وقد أثار المنشور موجة واسعة من التفاعل والتضامن عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث وصفه كثيرون بأنه “صرخة وجع مدوّية من قلب الغلاء والجوع، وانعدام مقومات الحياة”، وسط حالة من الذهول والصدمة من حجم المجاعة التي بلغها سكان غزة في ظل استمرار حرب الإبادة منذ قرابة عامين.
وعبّر مغردون عن صدمتهم مما آل إليه الحال في قطاع غزة، مشيرين إلى أن “ما وصلنا إليه يتجاوز حدود العقل والمعقول”.
كتب أحد المغردين:”أمس، زميل صحفي عرض بيع كليته مقابل الخروج من غزة مع عائلته، واليوم زميلنا بشير يريد استبدال كاميرته بكيس دقيق، وسبقه آخر باع معداته من أجل الطعام.. إنها قصص موجعة تتكرر في كل زاوية من هذا القطاع المحاصر”.
وتساءل آخرون بمرارة:”إلى متى يا رب هذا الحال؟ من يوقف هذا الكابوس الممتد منذ سنوات؟”.
كما تداول مدونون كلمات مؤثرة تعبّر عن الانهيار الأخلاقي الذي يشهده العالم تجاه غزة، متسائلين:”ما فائدة الصورة إذا قُتل من يلتقطها؟ وما فائدة الكاميرا والخبر، إن كان الصحفي نفسه جائعًا ولا أحد يتحرك لتغيير الواقع؟”.
ما فائدة الصورة حين يُقتل من يلتقطها؟
وما فائدة الكاميرا والخبر، أصلاً ما فائدة الصحفي؟
ولا أحد يغيّر الواقع ولا يفكر أن يتحرك
الصحفي بشير أبو شعر من غزة يعرض كاميرته للمبادلة على كيس طحين ليطعم أطفاله الجوعى
صحفي حر يحني رأسه لا للعدو بل للجوع. pic.twitter.com/auYItSoB97— Khaled Safi 🇵🇸 خالد صافي (@KhaledSafi) July 16, 2025
وأشار آخرون إلى أن بشير أبو الشعر لم يحْنِ رأسه للعدو، بل انحنى للجوع الذي يفتك بالأجساد والكرامة. وكتب أحدهم: “الصحفي من غزة يعرض كاميرته للمبادلة بكيس طحين ليطعم أطفاله الجوعى.. إنها صورة حقيقية لصحفي حر، يسقط أمامه العالم ولا يسقط هو”.
ورأى مدونون أن ما يجري في غزة هو شهادة موثقة على تاريخ الإبادة الجماعية، وأن الكاميرا التي أوصلت صوت الجياع والمظلومين يجب أن تبقى في يد صاحبها، لأنها ليست مجرد آلة، بل أداة مقاومة وذاكرة لا تنسى.
واختتم كثيرون تفاعلهم بمناشدة المؤسسات الصحفية والإنسانية، بعدم ترك أبو الشعر يُجبر على بيع أداته الوحيدة، مؤكدين أن صرخته ليست مجرد طلب مساعدة، بل وثيقة دامغة على جريمة تجويع جماعي تُرتكب على مرأى العالم، دون أي تحرّك حقيقي.