لا يبدو أن الاشتباكات على الحدود اللبنانية- السورية ستذهب نحو تهدئة سريعة على غرار المرة الماضية. فبعد ساعات من الهدوء الحذر، عادت قوات أمن الإدارة السورية الجديدة “لاستهداف القرى اللبنانية بصواريخ الكاتيوشا”، حسبما أكدت مصادر لبنانية لـ”يورونيوز”.
بعد مقتل ثلاثة عناصر تابعين لوزارة الدفاع السورية على الأراضي اللبنانية، تجددت الاشتباكات بين الأمن السوري والعشائر الشيعية المسلحة بمؤازرة الجيش اللبناني، في ظل اختلاف بين السرديتين حيال أسباب المواجهات واندلاع المعركة.
من جهة، يقول الجانب السوري إن “مجموعة من ميليشيا حزب الله نصبت كمينا أدى إلى خطف ثلاثة من عناصر من الجيش على الحدود السورية اللبنانية، واقتادتهم نحو الأراضي اللبنانية وقامت بتصفيتهم تصفية ميدانية”، حسبما نقلت وكالة الأنباء السورية “سانا”.
كما نددت وزارة الإعلام السورية ما وصفته بـ” الاستهداف المباشر لمجموعة من الصحفيين والإعلاميين أثناء قيامهم بالتغطية قرب الحدود اللبنانية-السورية، وذلك عبر صواريخ موجّهة أطلقتها ميليشيا حزب الله” حسب قولها.
من جانب آخر، نفى حزب الله مسؤوليته حول ما يجري، وقال في بيان: “.نجدد التأكيد على ما سبق وأعلنا عنه مرارا، بأن لا علاقة لحزب الله بأي أحداث تجري داخل الأراضي السورية”
وكانت السلطات اللبنانية قد أعلنت عن تسليم الجثث الثلاثة للإدارة السورية، والقبض على شخص يشتبه في أنه يقف وراء العملية للتحقيق فيما حدث لكن مع ذلك فإن الاشتباكات لم تهدأ بعد.
وبعد ساعات، أعلن الجيش اللبناني، أنه “رد على مصادر نيران أطلقت من الأراضي السورية تجاه قرى وبلدات لبنانية في محيط منطقة القصر – الهرمل الحدودية”. مشيرًا إلى أن “الاتصالات مستمرة بين قيادة الجيش والسلطات السورية لضبط الأمن والحفاظ على الاستقرار في المنطقة الحدودية”.
في مقابلته مع “يورونيوز” قال محمد عواد، المستشار في العلاقات السياسية، وأحد المطلعين على الملف أن “الأمور ذاهبة نحو التصعيد”، وأكد على اختلاف طبيعة الاشتباكات عنسابقاتها.
يقول عوّاد: “في المرة الماضية، انتهت الاشتباكات بين العشائر اللبنانية وقوات الأمن السورية بعد انسحاب العشائر من القرى السورية، وأمسك الجانب السوري بزمام الأمور في المنطقة. أما الآن، فالقصف السوري المستمر على القرى اللبنانية الذي خلّف قتلى وجرحى، والغموض المحيط بالدوافع وراء دخول العساكر السوريين إلى الجانب الآخر من الحدود، كل هذا يعطي الأحداث سياقًا مختلفا، خاصة وأن الجانب اللبناني قبض على المتورط بمقتل العناصر”.
وتابع عواد: “المتهم، وهو غير تابع للعشائر اللبنانية أو لحزب الله كما قيل، وقد اعترف بأنه قتل العناصر الثلاثة، والقوى الأمنية اللبنانية تستكمل تحقيقها معه كما سلمت الجثث للجانب السوري “.
ويردف: ” لكن لا يزال غير واضح ما الذي حدث بين المتهم وبين العساكر السوريين، حيث أن هناك أسئلة كثيرة مثل: ما الذي أتى بهم إلى الأراضي اللبنانية، ما هي دوافعهم؟ كيف دخلوا؟ لذلك لا يمكن القول إن طبيعة المسألة تشبه الاشتباكات الماضية”.
كما يؤكد المستشار في العلاقات السياسية لـ”يورونيوز” أن هناك توجهًا لدى العشائر اللبنانية للتصعيد في المنطقة، لأنها تعتبر أن ما يحدث، في ظل إمساك الدولة اللبنانية بالمتهم، وتسليم الجثث السورية، وفي ظل وجود ضبابية حول دوافع العناصر من دخول الأراضي اللبنانية، ناهيك عن استمرار القصف من الجانب السوري، هو بمثابة التعدي عليهم، كما يقول.
وفي الشهر الماضي، شهدت الحدود اللبنانية السورية توتراً أمنياً ملحوظاً، حيث اندلعت اشتباكات دامية بين القوات التابعة للنظام السوري، والعشائر اللبنانية الشيعية التي تسكن منطقة الهرمل من جهة أخرى.
وقد أسفرت المعارك عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، وشهدت المنطقة عمليات خطف، فضلاً عن تبادل إطلاق النار باستخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة. كما شارك الجيش اللبناني بالمعركة جزئيًا، حيث رد على مصادر النيران القادمة من الأراضي السورية.
وكما حدث هذه المرة، تضاربت السرديات حول الاشتباكات حيث قالت قوات الأمن السورية إن المعارك على الحدود مع لبنان تأتي في سياق محاولتها لضبط الأمن في تلك المنطقة وأن عملياتها كانت تستهدف “مهربين وأفرادا مطلوبين للدولتين وأشخاصا تابعين لحزب الله“، ولم تكن مع العشائر اللبنانية.
في المقابل، أصدرت العشائر بيانًا قالت فيه إن “قوات النظام السوري بادرت بإطلاق النار على بيوت المدنيين في القرى اللبنانية المتاخمة للحدود مع سوريا”، وهو ما استدعى ردًا ناريًا منها. وأكدت على عدم وجود علاقة تربطها بحزب الله، أو بتجّار المخدرات الذين يعدون حالات فردية لا يصح تعميمها.
وتمتلك منطقة الهرمل التي تجري فيها الاشتباكات خصوصية، فقبل نحو 9 سنوات، شنت جبهة النصرة التي كان يتزعمها أبو محمد الجولاني المعروف حاليا باسم أحمد الشرع، مع تنظيم “داعش”، حملة شرسة على جرود لبنان خلال الحرب الأهلية السورية، سيطروا خلالها على جزء من القرى الحدودية.
واشتعلت في تلك الفترة معارك لتحرير الأراضي من النصرة وداعش، عُرفت في لبنان باسم “فجر الجرود” شاركت فيها العشائر المسلحة وحزب الله إلى جانب الجيش اللبناني الذي كان يقوده آنذاك جوزاف عون وقد أسفرت تلك المعارك عن دحر جبهة النصرة وداعش، وساهمت في تعزيز الروابط ما بين الجيش وحزب الله والعشائر.
أما الآن، وفي ظل التغيرات الكبيرة في البلدين الجارين نتيجة الأحداث الجيوسياسية المتسارعة، مثل الحرب الإسرائيلية على لبنان وتأثيرها على قوة حزب الله العسكرية، وصعود الإسلاميين إلى الحكم في سوريا، وتبعات ذلك على خطوط إمداد السلاح إلى الحزب، تطرح العديد من الأسئلة حول مستقبل العلاقة بين البلدين والعوامل التي ستحدد شكلها، وأبرزها: هل سيكون للتوتر الجاري على الحدود السورية اللبنانية دور في رسم موازين القوى؟