بقلم: يورونيوز
نشرت في
اعلان
أشارت وكالة “رويترز” في مقال تحليلي إلى أن قرار أستراليا الاعتراف بدولة فلسطينية جاء بعد أن شعرت الحكومة بحدوث تحول كبير في المزاج الداخلي بشأن الحرب في غزة، وأظهر أن كانبيرا لم تخش إغضاب إسرائيل، التي كانت تاريخيا واحدة من أوثق حلفائها.
وجاء إعلان 11 آب/أغسطس الاعتراف بدولة فلسطينية، بعد أيام من خروج عشرات الآلاف في مسيرة عبر جسر ميناء سيدني الشهير، مطالبين بالسلام وإيصال المساعدات إلى غزة، حيث بدأت إسرائيل هجوما قبل ما يقرب من عامين بعد أن شنّت حركة حماس المسلحة هجوما داميا عبر الحدود.
ونقلت “رويترز” عن الأكاديمي في جامعة سيدني والمتخصص في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مارتن كي، قوله : “أصبح من غير المقبول سياسيا الاستمرار في الدفاع عن إسرائيل وإلقاء اللوم كله على حركة حماس”.
أزمة دبلوماسية غير مسبوقة
وأدى القرار إلى توتر العلاقات بين إسرائيل وأستراليا بدرجة لم تُشاهد منذ عقود. فقد تبادل كبار السياسيين في البلدين الانتقادات، حيث شن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هجمات شخصية على رئيس الوزراء الاسترالي أنتوني ألبانيزي، كما ألغيت تأشيرات دبلوماسيين أستراليين يعملون في الضفة الغربية، ومنع مشرّع إسرائيلي من دخول أستراليا.
ورغم أن ألبانيزي قلل من شأن الخلاف، إلا أن نتنياهو لم يُبد أي مؤشرات على التراجع. وواصل خطابه في مقابلة مع قناة “سكاي نيوز أستراليا” بثت مساء الخميس، قائلا: “أنا متأكد من أن لديه سجلا محترما كموظف عام، لكنني أعتقد أن سجله قد تلوث إلى الأبد بسبب الضعف الذي أظهره في مواجهة هؤلاء الوحوش الإرهابيين من حماس”.
وفي ظل هذه التوترات، دعا تجمع يهودي بارز في أستراليا إلى التهدئة، موجها في الوقت نفسه توبيخا نادرا لنتنياهو. ويقول بعض اليهود في أستراليا إن هذا التوتر يجعلهم يشعرون بعدم الأمان، بعد سلسلة من الهجمات المعادية للسامية في البلاد خلال العام الماضي.
تزايد التعاطف مع الفلسطينيين
وكشف المقال أن استطلاعات الرأي في أستراليا حول صراع غزة – وهو قضية مثيرة للانقسام في بلد يضم أقليات مسلمة ويهودية كبيرة – تشير إلى تزايد التعاطف مع القضية الفلسطينية.
وأظهر استطلاع للرأي في آب/أغسطس أجرته مؤسسة “ديموس أوستراليا” أن 45% أيدوا اعتراف أستراليا بدولة فلسطينية قبل التوصل إلى اتفاق سلام تفاوضي، مقابل 23% عارضوا. وارتفع الدعم من 35% قبل عام.
وقالت صحيفة “سيدني مورنينغ هيرالد”، إحدى أبرز الصحف في البلاد، في افتتاحية هذا الشهر إن “التعاطف الشعبي مع إسرائيل في أستراليا بدأ يتآكل بسرعة بمجرد أن بدا شبح المجاعة الكارثية في غزة”.
كما أن الصور الواردة من غزة عززت عزيمة المشرعين، بحسب تشارلز ميلر، المحاضر في العلاقات الدولية بالجامعة الوطنية الأسترالية. وقال: “أعتقد أنها غيّرت عددا كبيرا جدا من العقول بين صناع السياسات في أستراليا، كما فعلت في دول أخرى”.
قلق يهودي
أثارت التداعيات السياسية قلق المجلس التنفيذي لليهود الأستراليين، وهو منظمة جامعة لأكثر من 200 هيئة يهودية، أرسل رسائل إلى ألبانيزي ونتنياهو يوم الأربعاء، يحثهما على خفض التوتر. وجاء في الرسائل: “إذا كان لا بد من قول أشياء علنا، فيجب أن تقال باستخدام لغة متزنة ولائقة تليق بقادة وطنيين”.
ومنذ بداية الحرب بين إسرائيل وغزة، كانت أستراليا تواجه هجمات معادية للسامية استهدفت معابد يهودية ومبانٍ وسيارات، ويخشى بعض اليهود من أن يؤدي تصاعد التوتر بين أستراليا وإسرائيل إلى تأجيج المزيد من الهجمات.
وقال إيلي فيلدمان، الحاخام في كنيس نيوتاون في سيدني، الذي تعرض للتخريب برسوم معادية للسامية في كانون الثاني/يناير: “عندما يكون الخطاب السياسي والإعلامي منصبا بهذا الشكل على انتقاد إسرائيل، فسيكون لذلك تبعات على المجتمع اليهودي المحلي، وهذا أمر ينبغي أن نتأمل فيه”.
حليف تاريخي وموقف ألبانيزي
وذكّر المقال أن أستراليا كانت من أوائل الداعمين لإنشاء دولة يهودية، وظلت طويلا تدافع عن إسرائيل في النزاعات الدولية، رغم أن الحزبين الرئيسيين يؤيدان من حيث المبدأ حل الدولتين.
وعلى الرغم من أن ألبانيزي كان يدعم شخصيا قيام دولة فلسطينية منذ وقت طويل، إلا أن براغماتيته السياسية جعلته مترددا في تأييد الاعتراف الرسمي. وقد تغيّر ذلك مع تحول المزاج الشعبي، بينما خفف فوزه الكاسح في انتخابات أيار/مايو العامة من خطر المعارضة الداخلية، بحسب جيسيكا جيناور، الأكاديمية في جامعة فلندرز والمتخصصة في النزاعات الدولية.
وقال محللون إن موقف الحلفاء الرئيسيين – بريطانيا وفرنسا وكندا – الذين أعلنوا جميعا أنهم سيعترفون بدولة فلسطينية في الأسابيع السابقة لأستراليا، جعل مهمة ألبانيزي أسهل أيضا.
وأضافت جيناور: “إنهم لا يريدون أن يكونوا في طليعة رسم مسارات جديدة في سياساتهم بهذا الشأن، لكن في الوقت نفسه، لا يريدون أن يتخلفوا عن الركب مقارنة بحلفاء رئيسيين حول العالم”. وتابعت: “ألبانيزي لا يزال شخصا