بقلم: يورونيوز
نشرت في
أصدر مشروع “داينا” تقريرًا جديدًا تناول ما وصفه بالاستخدام المنهجي للعنف الجنسي من قبل عناصر حركة “حماس” ضد إسرائيليين في بلدات محاذية لقطاع غزة خلال هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، معتبرًا أن هذا العنف جرى توظيفه “كسلاح تكتيكي للحرب”، وهي خلاصة قد تكون لها تداعيات قانونية دولية على المدى البعيد.
ويضم مشروع “داينا” خمس خبيرات في القانون وقضايا النوع الاجتماعي اجتمعن بعد الهجوم لتأسيس ما يصفنه بأنه “المرجع الأساسي لتحقيق العدالة لضحايا العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات”. وأعد التقرير ثلاث من مؤسِّسات المشروع، هن: البروفسورة روث هالبرين-كاداري، العقيدة في الاحتياط شارون زاغاغي-بينياس، والقاضية المتقاعدة نفا بن-أور، تحت عنوان: “سعي نحو العدالة: 7 تشرين الأول وما بعده”.
العنف الجنسي كسلاح ممنهج في النزاع
التقرير الذي وصف العنف الجنسي بأنه لم يعد مجرد “نتيجة عرضية للحرب”، بل سلاح يُستخدم عمدًا لنزع إنسانية الضحايا وبث الرعب والتفكك المجتمعي، أشار إلى توثيق مثل هذه الانتهاكات في عدة مواقع شملت مهرجان نوفا الموسيقي، طريق 232، قاعدة نحال عوز العسكرية، كيبوتس كفار عزة، كيبوتس نير عوز وكيبوتس راعيم. ووصف التقرير هذه الاعتداءات بأنها كانت تهدف إلى “إزالة الطابع الإنساني عن المجتمع الإسرائيلي برمته”.
وشددت معدّات التقرير على أن التحدي لا يكمن فقط في إثبات وقوع هذه الجرائم بل في جمع الأدلة، إذ إن غالبية الضحايا قُتلوا، والناجون أو الأسرى المحررون قد يكونون عاجزين نفسيًا عن الإدلاء بشهاداتهم، كما أن الأدلة الجنائية يصعب توثيقها في مواقع لا تزال مناطق حرب.
إطاران جديدان للأدلة والمساءلة
يقترح التقرير إطارين للتعامل مع هذه الجرائم: الأول “إثباتي”، ينظم جميع المعطيات المتاحة بحسب موثوقيتها ومصدرها، من شهادات مباشرة وغير مباشرة إلى روايات المسعفين والأدلة البصرية. والثاني “قانوني”، يطرح نموذجًا خاصًا بالأدلة في جرائم العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات، ويأخذ في الحسبان خصوصية هذه الجرائم من حيث صعوبة توثيقها بوسائل الإثبات التقليدية.
ويشدد التقرير على أن “نمطية الانتهاكات” هي ما يثبت المنهجية المتعمدة، داعيًا إلى اعتماد روايات شهود العيان والمعلومات الظرفية كأدلة مقبولة، وتوسيع المسؤولية الجنائية لتشمل كل من شارك في تسهيل هذه الجرائم، حتى من دون ارتباط مباشر بالفعل نفسه.
شهادات الأسرى المحررين وتوسيع دائرة الأدلة
اعتمد التقرير على شهادات 15 شخصًا، بينهم أسرى محررون وصفوا انتهاكات تشمل الاغتصاب، محاولات اغتصاب، الاعتداء الجنسي، التعري القسري، الإذلال اللفظي والجنسي، والتهديد بالزواج القسري. وأشار إلى أن معظم الضحايا قُتلوا، فيما يعاني الناجون من آثار نفسية عميقة تعيق الشهادة. وذكر أن أسيرين من الذكور أبلغا عن أشكال خاصة من الإذلال الجنسي، منها التعري القسري.
ودعا التقرير إلى اعتماد هذه الجرائم ضمن إطار “جرائم ضد الإنسانية”، ومحاسبة الجناة، وتحقيق إدانة دولية واسعة لاستخدام العنف الجنسي كسلاح حرب.
ورغم الإقرار بحجم الدمار الذي ألحقته إسرائيل بقطاع غزة، أكّد معدو التقرير أن هدفهم هو إيصال “رسالة واضحة ومستقلة مفادها أن العنف الجنسي خلال النزاعات لا يمكن أن يُقبَل أو يُبرَّر أو يُفهَم وفق السياق”.
يشدد التقرير على ضرورة الاعتراف بالعنف الجنسي المرتبط بالنزاعات كفئة قانونية مستقلة تستوجب مقاربة إثباتية مختلفة، مع توسيع مصادر الأدلة المقبولة لتشمل الروايات الشخصية، شهادات المسعفين والعاملين في الطب الشرعي، وحتى الوسائط الإعلامية المفتوحة. كما يشير إلى أن النماذج السابقة، سواء الصادرة عن جهات أممية أو منظمات دولية غير رسمية، عانت من قصور في استيعاب طبيعة هذه الجرائم، بينما يقدّم هذا التقرير نموذجًا شاملًا ومتكاملًا لمحاكمة هذه الانتهاكات.
بعثة أممية زارت إسرائيل والضفة الغربية
وفي وقت سابق، وبناء على دعوة من الحكومة الإسرائيلية، قامت المستشارة المعنية بالعنف الجنسي في الأمم المتحدة براميلا باتن بزيارة رسمية إلى إسرائيل مدعومة من فريق من الخبراء التقنيين من 29 كانون الثاني حتى 14 شباط، “لجمع وتحليل والتحقق من ادعاءات بوقوع عنف جنسي مرتبط بالصراع أثناء الهجمات التي قادتها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر وما بعدها”.
وزار الفريق أيضًا رام الله في الضفة الغربية المحتلة للتواصل مع السلطة الفلسطينية والمحتجزين المُفرج عنهم والمجتمع المدني وأطراف معنية أخرى. وبالنظر إلى الأعمال العدائية الجارية، لم يطلب الفريق زيارة قطاع غزة الذي تعمل فيه جهات أممية أخرى، بما فيها تلك التي ترصد وتعالج العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس.
وقال بيان صحفي صادر عن مكتب باتن في حينها إن “في سياق الهجمات المنسقة من حماس وغيرها من جماعات مسلحة ضد أهداف مدنية وعسكرية بأنحاء غلاف غزة، وجد فريق البعثة أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن عنفًا جنسيًا مرتبطًا بالصراع وقع في عدة مواقع أثناء هجمات 7 تشرين الأول، بما فيها اغتصاب واغتصاب جماعي في 3 مواقع على الأقل: موقع مهرجان نوفا الموسيقي والمنطقة المحيطة به، طريق 232، وكيبوتس رئيم”.
وذكر البيان أن الضحايا، في معظم هذه الحوادث، الذين تعرضوا أولًا للاغتصاب، قُتلوا بعد ذلك، وأن حادثتين على الأقل تتعلقان باغتصاب جثث نساء. وأضاف أن الفريق وجد أيضًا نمطًا بين الضحايا – ومعظمهم من النساء اللاتي عُثر عليهن عاريات بشكل كامل أو جزئي – أُطلق عليهن الرصاص في مواقع متعددة. وعلى الرغم من ظرفية النمط، كما قال البيان، إلا أنه قد يكون مؤشرًا على نوع من العنف الجنسي، بما فيه التعذيب الجنسي والمعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة.
حماس تنفي وتستنكر
وقد سبق لحركة حماس أن أعلنت في 5 آذار/مارس 2024، رفضها تقرير الأمم المتحدة حول حدوث “اغتصاب وعنف جنسي” في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، مستنكرة بشدة التقرير الذي أصدرته المسؤولة الأممية براميلا باتن، بخصوص الادعاءات بارتكاب المسلحين الفلسطينيين حوادث اغتصاب وعنف جنسي، واعتبرت أن “هذه الادعاءات جاءت بعد محاولات إسرائيلية فاشلة لإثبات ذلك الاتهام الباطل الذي ثبت أنه لا أساس له من الصحة”.
ورأت الحركة أن التقرير جاء لـ”التستر على تقرير مقرري الأمم المتحدة بشأن وجود أدلة قاطعة على انتهاكات مروّعة لحقوق الإنسان ضد النساء والفتيات الفلسطينيات على يد القوات الإسرائيلية”، مشددة على أن “التقرير الأممي لم يوثّق أي شهادة ممن تسميهم ضحايا هذه القضايا”.