بقلم: يورونيوز
نشرت في
بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”، يقف الاتحاد الأوروبي على أعتاب أول تراجع سكاني تشهده القارة منذ تفشّي الطاعون الأسود في القرن الرابع عشر، إذ من المتوقع أن يبلغ عدد السكان ذروته اعتبارًا من العام المقبل قبل أن يبدأ مسار الانحدار.
وتشير الصحيفة إلى أن هذا المسار يثير مخاوف متزايدة تتعلق بتقلّص القوى العاملة وارتفاع أعباء الشيخوخة واحتمالات العجز الاقتصادي، ما دفع حكومات من مختلف التيارات السياسية إلى سباق محموم لاختبار ما إذا كان مزيج من الحوافز المالية والسياسات الأسرية قادرًا على زيادة معدلات الإنجاب، غير أن التجربة الأوروبية تُظهر أن هذه الجهود، رغم اتساعها وكلفتها، لم تنجح حتى الآن سوى في إبطاء التراجع.
وقد شكّلت دول اسكندنافيا لجانًا خاصة لدراسة استراتيجيات جديدة، وسط مراجعة صريحة لأسباب عجز أنظمة الرفاه الاجتماعي القوية عن وقف الانهيار الحاد في معدلات الخصوبة. وفي فرنسا، دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى “إعادة تسليح ديموغرافي” بعد انخفاض الخصوبة بنسبة 18 في المئة خلال عقد واحد. أما في عدد من الدول التي تقودها حكومات قومية، فتترافق الحوافز المالية السخية مع خطاب يمجّد الأسرة التقليدية باعتبارها ركيزة للهوية الوطنية.
وفي إيطاليا، تُمنح الأمهات العاملات اللواتي لديهن طفلان أو أكثر مكافآت مالية، بينما رفعت بولندا العام الماضي قيمة المساعدات الشهرية للأسر إلى نحو 220 دولارًا لكل طفل، ووقّع رئيسها في تشرين الأول/ أكتوبر على إعفاءات ضريبية كبيرة للأهالي الذين لديهم طفلان أو أكثر.
السياسات السكانية والحوافز
ترى واشنطن بوست أن المجر تمثل المثال الأوضح لطموحات هذه السياسات وحدودها في آن واحد، فبعد سنوات من توسيع برامج دعم الأسرة، باتت البلاد تمتلك نظام مزايا يضاهي في سخائه دول اسكندنافيا، إذ تنفق نحو 5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على سياسات الأسرة، وهي نسبة تفوق ما تنفقه الولايات المتحدة الأمريكية على الدفاع.
وتشمل هذه السياسات إجازات مدفوعة للأجداد، وقروضًا سكنية بشروط تفضيلية للأزواج، وقروضًا بقيمة 30 ألف دولار تُعفى من السداد في حال إنجاب ثلاثة أطفال أو أكثر. كما حصلت النساء اللواتي لديهن ثلاثة أطفال، اعتبارًا من الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، على إعفاء ضريبي مدى الحياة من ضريبة الدخل الشخصي، على أن يشمل الإعفاء العام المقبل الأمهات دون سن الأربعين ممن لديهن طفلان.
لكن قرارات الإنجاب تبقى شديدة الخصوصية، وغالبًا ما تتجاوز قدرة السياسات العامة على التأثير، إذ ترتبط بعوامل هيكلية مثل كلفة السكن والتضخم. كما يعكس تراجع الخصوبة تحولات اجتماعية إيجابية لا ترغب المجتمعات في التراجع عنها، مثل إتاحة وسائل منع الحمل، وتراجع حمل المراهقات، وتقدّم تعليم النساء ومساراتهن المهنية.
ما السبب وراء تراجع معدلات الإنجاب؟
يوضح التقرير أن معدلات الخصوبة في أوروبا كانت حتى ستينيات القرن الماضي تفوق 2.1 مولود لكل امرأة، قبل أن تبدأ بالتراجع بوتيرة متفاوتة. ورغم أن دول اسكندنافيا حافظت على معدلات أعلى نسبيًا حتى أوائل العقد الثاني من الألفية، فإن معظم دول القارة اليوم تقاربت عند مستويات متدنية، إذ لا تتجاوز خمس دول من أصل 27 في الاتحاد الأوروبي معدل 1.5، ولا تسجّل أي دولة معدلًا يفوق 1.9، بينما بلغ المتوسط الأوروبي مستوى قياسيًا منخفضًا عند 1.38.
وتضيف الصحيفة أن الراغبين في الإنجاب يؤجلون هذه الخطوة إلى سنّ متأخرة أكثر من أي وقت مضى، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن، مع توسّع فرص التعليم والعمل للنساء، وفق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. كما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة دورًا في ترسيخ أنماط حياة فردانية وتأخير الاستقرار.
نتائج التجربة المجرية
تشير “واشنطن بوست” إلى أن التجربة المجرية بدت في بداياتها ناجحة، إذ ارتفعت الخصوبة من 1.25 إلى 1.61 بين عامي 2015 و2021، قبل أن تعود للتراجع إلى 1.39 بحلول عام 2024، أي قريبًا من متوسط الاتحاد الأوروبي.
ووفق الصحيفة، أثار هذا التحول جدلًا واسعًا، إذ يرى خبراء أن الحوافز شجّعت فقط من كانوا يخططون أصلًا للإنجاب على تسريع قراراتهم، فيما أشار منتقدون إلى أن التركيز على الحوافز المالية جاء على حساب الاستثمار في التعليم الرسمي والنظام الصحي العام، وأن سياسات دعم السكن ساهمت في رفع أسعار العقارات بدل حل أزمة الأسرة.
ويخلص التقرير إلى أن التراجع الديموغرافي في أوروبا يعكس تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية عميقة، تجعل من الصعب على السياسات الحكومية وحدها تغيير مساره.













