في تصريحات تعكس حرصاً كبيراً على هوية الموسيقى العربية، وجه الفنان الكبير محمد الحلو انتقادات لاذعة لواقع الأغنية الحديثة، مشيراً إلى أن العنصر الأساسي الذي فقدته الساحة الغنائية اليوم هو «الكلمة». وأكد الحلو في حديثه أن تراجع الاهتمام بجودة النصوص الشعرية المغناة أدى بشكل مباشر إلى غياب التأثير الوجداني للأعمال الفنية، مما جعلها سريعة النسيان ولا تترك بصمة في ذاكرة الجمهور كما كان يحدث في الماضي.
أزمة الكلمة وتأثيرها على الذوق العام
أوضح الحلو أن المعادلة الغنائية اختلت في السنوات الأخيرة، حيث أصبح التركيز منصباً بشكل مبالغ فيه على التوزيع الموسيقي والإيقاعات السريعة والصاخبة، على حساب المعنى والمضمون. ويرى الفنان الكبير أن «الكلمة» هي العمود الفقري للأغنية العربية، وهي التي تمنح العمل الفني روحه وقدرته على البقاء. فغياب الكلمة العميقة والمعبرة يعني غياب المشاعر الصادقة، وبالتالي يفقد المستمع حالة «السلطنة» والارتباط الروحي بالأغنية، ليتحول الاستماع إلى مجرد ضجيج عابر لا يمس الوجدان.
محمد الحلو.. رمز جيل العمالقة والزمن الجميل
تأتي هذه التصريحات من قامة فنية كبيرة بحجم محمد الحلو، الذي يُعد أحد أبرز أصوات جيل الوسط في مصر والعالم العربي. نشأ الحلو في بيئة فنية عريقة، فهو سليل عائلة «الحلو» الشهيرة، واستطاع عبر مسيرته الممتدة أن يحجز مكاناً متميزاً بين عمالقة الطرب. اشتهر الحلو بأدائه للأغاني ذات الطابع الطربي الأصيل، وتميز بشكل خاص في غناء تترات المسلسلات الدرامية التي شكلت وجدان المشاهد العربي، مثل «ليالي الحلمية» و«زيزينيا». هذه الخلفية التاريخية تجعل من نقده للواقع الحالي نابعاً من خبرة عميقة ومعايير فنية رفيعة تربى عليها الجمهور العربي.
السياق التاريخي: من عصر الشعراء إلى عصر السرعة
لفهم عمق الأزمة التي يتحدث عنها الحلو، يجب النظر إلى التحولات التي شهدتها صناعة الموسيقى. ففي فترات السبعينيات والثمانينيات، وحتى التسعينيات، كان هناك تعاون وثيق بين المطربين وكبار الشعراء مثل سيد حجاب، وعبد الرحمن الأبنودي، وعبد الوهاب محمد. كانت الأغنية مشروعاً ثقافياً متكاملاً يبدأ من القصيدة. أما اليوم، وفي ظل هيمنة المنصات الرقمية و«التريند»، أصبح الإنتاج الفني محكوماً بمعايير السرعة والاستهلاك اللحظي، مما أدى إلى تهميش دور الشاعر الغنائي وظهور نصوص ركيكة تفتقر للصور البلاغية والمشاعر الإنسانية الحقيقية.
أهمية الحفاظ على الهوية الموسيقية
لا تقتصر أهمية تصريحات محمد الحلو على مجرد النقد الفني، بل تمتد لتشمل بعداً ثقافياً وقومياً. فالأغنية المصرية والعربية كانت دائماً إحدى أهم أدوات القوة الناعمة، والحفاظ على رقي الكلمة هو حفاظ على اللغة والهوية. إن استمرار تدهور مستوى الكلمة قد يؤدي إلى قطيعة معرفية ووجدانية بين الأجيال الجديدة وتراثهم الفني العريق. لذا، فإن دعوة الحلو تمثل جرس إنذار لضرورة إعادة الاعتبار للكلمة الهادفة، ودعوة لشركات الإنتاج وصناع الموسيقى للتوازن بين مواكبة التطور الموسيقي والحفاظ على جوهر الغناء العربي المتمثل في صدق الكلمة وعمق المعنى.
The post محمد الحلو ينتقد الأغنية الحديثة: غياب الكلمة أفقدنا التأثير appeared first on أخبار السعودية | SAUDI NEWS.









