في عام 1360هـ وفي قرية العبالة الواقعة في قلب وادي العلي بمنطقة الباحة، ولد سعيد بن عطية أبو عالي الغامدي يتيماً، لكنه لم يكن وحيد الأمل. تولّت والدته تربيته بحزم وحنان، وفي كنفها تشكل وعيه الأول بالقيمة العليا للعلم، فكان للتعليم في حياته نبض سابق لوقته، ورسالة حملها من السبورة إلى أروقة المؤسسات الأكاديمية.
كان الشيخ الراحل سعد المليص (رحمه الله) أحد أبرز من لمسوا مبكراً في سعيد شعلة الذكاء والطموح، فدعمه معنوياً وشجعه على مواصلة دربه العلمي في لحظة كانت فارقة بين البقاء في حدود القرية والانطلاق إلى آفاق العالم.
التحق سعيد أبو عالي بكلية التربية بمكة المكرمة متخصصاً في اللغة الإنجليزية، ثم واصل مسيرته الأكاديمية في أمريكا، فنال الماجستير من جامعة وسكونسن، والدكتوراه في التربية من جامعة شمالي كولورادو عام 1975، ليمنح لاحقاً ميدالية طالب الشرف الأجنبي كأبرز خريج دولي في عقد كامل.
في مسيرته المهنية تنقل بين التعليم الأساسي والتعليم العالي، مديراً وأستاذاً ووكيلاً، ثم مدير عام للتعليم بالمنطقة الشرقية لمدة 18 عاماً، كان المؤسس والعميد الأول لكلية الباحة الأهلية للعلوم، وعضواً مؤثراً في مجالس علمية وثقافية محلية وخليجية، ورئيس تحرير لعدد من المجلات منها «الشرق، دارين، المنتدى»، كما رأس لجنة جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي منذ 1405هـ.
وعلى امتداد أكثر من نصف قرن ظل أبو عالي حاضراً في الندوات والمؤتمرات، ومشرفاً على الرسائل العلمية، ومحاوراً في قضايا التعليم والتربية والفكر.
أما إنتاجه الأدبي والفكري، فحافل، ومن أبرز مؤلفاته «الإسلام والغرب حوار لا صراع، رؤية جديدة لمسيرة التعليم بالمملكة، التطوير الذاتي لأعضاء هيئات التدريس مشترك، سوانح وأفكار، هروب إلى النجاح، قالوا عن الرسالة والرسول، أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، مسرحية للأطفال مخطوطة، محاضرات متفرقة مخطوطة».
إن سعيد أبو عالي ليس مجرد اسم في الذاكرة التربوية، بل شاهد على تطور التعليم، ومثقف بنى جسور الحوار، ورجل دولة أخلص للفكر كما أخلص للموقف، هو سيرة تتقاطع فيها القيم والمعرفة والانتماء، وسطور كتبتها التجربة بالحبر والوجدان.
وعلى امتداد تجربته، لم يكن الدكتور سعيد أبو عالي مجرد مسؤول أو أكاديمي، بل كان ولا يزال صوتاً ثقافياً حاضراً في المشهد الأدبي، فقد شغل منصب نائب رئيس النادي الأدبي في الباحة، وترأس تحرير مجلات ثقافية مرموقة كـ «دارين، والشرق، والمنتدى»، كما عرف بمقالاته المنتظمة في الصحف السعودية التي حملت رؤاه في قضايا التعليم والحوار والهوية، مجسداً بذلك دور المثقف الشاهد الذي لا ينعزل عن قضايا مجتمعه، بل يكتب لها وبها.
أخبار ذات صلة