جرت العادة أن يكتب الناس عن المشاهير والمعروفين والأدباء والكتاب، واليوم سأكسر هذه القاعدة وأكتب عن رجل معطاء معروف على مستوى أسرتنا وأقاربنا وأصدقائنا ومعارفنا، إنه خالي “علي بن عبدالله العجلان” -حفظه الله- ومتعه بالصحة والعافية ورزقه من كل خير.
وقبل الحديث عن خالي، أنا متأكد أن كل أسرة يوجد بها نسخة من الخال علي، ذلك الخال الذي يحمل الخير في نفسه ويوزعه على كل من حوله، أنه يفعل ذلك بكل حب ورغبة وصدق، فقط يريد من ذلك وجه الله تعالى.
خالي “علي” هو الذي ربانا، وهو الذي كانا يرعانا، لسنا نحن فقط بل كل من حوله، يزور أخواته كل جمعة ويشتري لهم ما ينقصهم ويتكفل برعايتهم، كان يفهم احتياجات الناس دون أن يطلبوا منه شيئاً، برقيه وذوقه وصدقه مع نفسه وحبه لفعل الخير.
كان الخال “علي” ومازال يستيقظ في الصباح ويبحث في وجوه الخير ويتلمس احتياجات أقاربه وأهله ومعارفه وكل من حوله.
لا أبالغ إذا قلت: إن الخال “علي” هو خير يمشي على قدمين، فهو الذي كان يجلب لنا المقاضي كل يوم عندما كنا صغاراً، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل عندما كبرنا استمر يعاملنا كأبنائه ويجلب لنا الأرزاق واحتياجات الحياة اليومية، إنه يفعل ذلك كما قلت: بكل حب وسرور.
لقد صار الخال “علي” وكأنه مثالاً لكل أسرة، وأتذكر أننا في منزل من المنازل التي سكناها، ذهبت أختي”هدى” لبيت الجيران ولم تجد عندهم ما يكفيهم من الطعام، فقالت لهم على الفور: أين مقاضيكم.. لماذا لم يشتر لكم خالكم “علي” المقاضي، فقد كانت أختي -وفقها الله- تعتقد أن في كل أسرة شخص معطاء اسمه الخال “علي” يجلب المقاضي لكل منزل.
الخال “علي” هو مثال للشخص المعطاء الذي لا يتعذر بضيق الوقت، فهو -حفظه الله- محافظاً على عمله، يفعل المعروف، يصل رحمه باستمرار، وكل هذه المشاغل لم تكن على حساب حياته الخاصة فهو وثيق الصلة بأسرته وأولاده وأحفاده اللذين يبادلونه الحب بالحب والعطاء بالعطاء.
لم أسمع خالي “علي العجلان” في يوم من الأيام يشتكي من ضيق الوقت، بل كان دائماً يقول:”إن الوقت فيه بركة كثيرةلمن أراد أن يستثمره لأن الله سيبارك له فيه..!
الخال “علي” يستيقظ في الصباح ويفعل الخير، ويذهب إلى دكانه، طلباً لرزق الله -جل عز- وبعد أن يحين موعد صلاة الظهر، يتجه إلى المسجد كأول من يحضر وآخر من يخرج منه، إنه متعدد المشاغل، كثير الإنجاز وفير العطاء وعلمنا أن الوقت يتبارك بحسب الإنجازات والاستثمارات التي تعبئ بها ساعات يومك ودقائق نهارك.
الخال “علي” متعه الله بالصحة والعافية مثال لنا في أكثر النواحي، فهو مثال للرجل العصامي الذي شق طريقه بكل كفاح ونجاح، وهو أيضاً مثال للأب المثالي الذي يحنو على أبناءه، وهو أيضاً مثال لنا في صلة الرحم، فلا يكاد يمر يوم أو يومين إلا وهو يتواصل مع أخواته وبنات أخواته وكل من يرى أنه بحاجة إلى الدعم والمساندة، أيضاً هو مثال لنا في ترتيب الوقت، فهو يستيقظ من صلاة الفجر وينام بعد العشاء، بعد أن يعبئ يومه بكل عطاء ونجاح وصلة رحم وكل فعل حسن.
الخال “علي” أيضاً قدوة لنا في التوازن بين عمل الدنيا الفانية والآخرة الباقية، فهو يعمل ويبتغي فيما أتاه الله الدار الآخرة، ولكنه لا ينسى نصيبه من الدنيا، إنه تاجر يستيقظ في الصباح الباكر ويذهب إلى متجره ويفتحه قائلاً: “يافتاح ياعليم يارزاق يا كريم، يارب أرزقنا وأنت خير الرازقين”.
الخال “علي” كان ومازال مثال لنا في الحياء، فقد تعلمنا الحياء منه، ومن أمي شقيقته التي يحبها كثيراً “لولوة العجلان” -رحمها الله- فقد كانا كبقية خالاتي وأخوالي مثالاً عن الحياء الذي يمشي على قدمين، تعلمنا منهم ذلك ونعم ما علمونا إياه.
الخال “علي” كان ومازال مثالاً لنا في عدم التدخل في شؤون الآخرين، وكان دائماً يردد “من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه”.
الخال “علي” أيضاً كان مثالاً لنا في الأمانة والصدق في التعامل، والإخلاص في البيع والشراء، وقد كان يعطي الناس حقوقهم قبل أن يطالب بحقوقه منهم.
الخال “علي” كان تطبيقاً حياً للحديث القائل: “رحم الله أمرئ سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى” إنه يبيع ويشتري بكل سماحة ولا يتوقف الأمر هنا بل يمازح الزبائن ويضاحكهم ويبيعهم الأشياء بنفس طيبة، ومن زاره في الدكان وراقب تعاملاته لمح تلك الأريحية التي تقع بينه وبين الزبائن.
الخال “علي” كان أيضاً مثالاً لنا في علاقته بأسرته وأهله، فقد كان يحب أبناءه ويعدل بينهم، ويحسن تربيتهم، وكان أول ما يعلمه لأبنائه المحافظة على الصلاة وحفظ القرآن وبر الوالدين، ويربط هذا كله بتوفيق الله فيقول لهم: “من أراد أن ينجح في دنياه فعليه بالصلاة، فهي نور في الوجه وسعة في الرزق”.
كان خالي “علي” في تجارته يبحث عن القيم العليا، لأنه أختار أن يبيع الأرزاق، لقد كان متجره عامراً بالرز والسكر والشاي وكل ما يحتاجه الناس في حياتهم اليومية من أطايب الطعام، كما أنه أعتنى بملابسهم، فقد استورد أفضل أنواع الأقمشة التي يبيعها بالجملة، وهو من أوائل من أحضر مكائن الخياطة التي تسمى “ماسنجر” وقد كتبوا عليها في اليابان صنع خصيصاً لمؤسسة العجلان، وهذا كله مثبتاً بالوثائق والمستندات، أكثر من ذلك كان خالي “علي” يحب التجارة في الخياطة ومكائن الخياطة وأدوات الخياطة لأنه يدرك أن نبي الله إدريس كان خياطاً، لذلك هو ركز على ملابس الناس التي يذهبون بها إلى المسجد، قال تعالى: “يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ”.
لقد كان خالي “علي” قدوتنا في حب الحياة والاقبال عليها، فلم نسمع منه يوماً من الأيام أنه تشكى أو تذمر، بل كان شاكراً حامداً مقدراً لنعمة الله علينا الظاهرة والباطنة، إنه رجل يحب العطاء ويبحث عن الآخرة ويزرع في الدنيا كل خير، لذلك لا وقت لديه لا للشكوى ولا للتذمر.
في آواخر الثمانينات الميلادية اتصل بي وقال: يا أحمد، ليتك تمر عليّ بعد صلاة المغرب في الدكان، انظروا رغم إنه يأمر عليّ وعلى أسرتي كلها، إلا أنه دعاني بصيغة الرجاء وقال: “ليتك تمر عليّ” وهذا من أدبه الجم -حفظه الله- أتيت له في تلك المغربية وسلمني ورقة قديمة وقال: “هذه وصية أبيك يا أحمد، والآن أنت المسؤول عنها” أخذت الوصية وفي السيارة بكيت بكاءً مراً، لأنني شعرت بالمسؤولية وأنا أحمل وصية أبي فقط، فما بالكم بالخال “علي” الذي كان يحمل عشرات الوصايا، لأن الناس تثق به وتحفظ عنده الوصايا والأسرار، وتستشيره في عشرات القضايا المصيرية، لأنه رجل يمتاز بالحكمة والوعي وبعد النظر.
باختصار؛ كان خالي “علي” حفظه الله، مثال حي للعمل البطولي الذي يتم كل يوم وكأن المؤلف العالمي “روبين شارما” قصد خالي “علي” عندما ألف كتابه الذي يحمل عنوان “بيان بطل كل يوم”.
حسناً ماذا بقي:
بقي القول: إن الخال “علي” ليس خال فقط بل هو تاريخ أسرتنا، أنه مستودع الذكريات، لأنه صاحب أسرتي كما صاحب كل الأسر التي تتصل به بإحدى صلات الرحم، فقد كان الخال ومازال معنا في كل انتصارات أسرتنا وانكساراتها، كان معنا على الحلوة والمرة، فهو شاهد على التحولات التي عشناها، وقد كنا إذا أردنا تصديق معلومة أو التأكد من قصة، ذهبنا إليه مستمعين منصتين، وعند الخال “علي” الخبر اليقين.
حفظك الله يا خالي الغالي لنا وأدام عليك الصحة والعافية، وإذا كان لأسرتنا نجم فأنت النجم الذي لا يغيب، ندعو لك في صلاتنا، ونحبك ليس لسبب ولا لسببين بل لعشرات الأسباب.
“اللهم كثر أمثال خالي علي بيننا” .. قولوا آمين.