انبهر فريق من العلماء باكتشافهم ما لم يكن معروفا عن النملة قبل الآن، وهو أنها تعرف درب العودة إلى مستعمرتها حين تبحث خارجها عن الطعام، من معالم خاصة وإشارات تبنيها بنفسها على الطرق، وفق دراسة نشرت مجلة Current Biology الأميركية تفاصيلها بعددها الحالي، وتنسف فرضيات سابقة، بأن جماعات النمل تستخدم الشمس لتنقلاتها، أو تحصي خطواتها لقياس المسافات التي قطعتها، أو ربما تعتمد على حاسة الشم لتتحسس بها طريق تنقلها.
وركز الفريق أبحاثه على نملة من نوع Cataglyphis fortis المعروفة فصيلتها عربيا باسم “نملة الصحراء” المنتشرة قرب أحواض ملح مسطحة، عديمة الملامح إلى حد كبير، في تونس بشكل خاص، وتبتعد عادة مسافات طويلة عن المستعمرة بحثا عن مؤونة، برغم أن درجة حرارة الأرض تحت أقدامها تكون شديدة، وقد تصل إلى 60 مئوية. مع ذلك، فحين تجد شيئًا لأكله أو حفظه، تعود به بطريقة سهلة وسريعة، وهو ما كان يثير دائما فضول العلماء ويحيّرهم.
لاحظ الفريق أيضا أن النمل يصمم مستعمراته بطريقة تناسب موقعها الجغرافي، ففي تونس، حيث كانت وسط ملاحات، لا معالم مرئية فيها “ظهرت عند مداخل المستعمرات تلال يصل ارتفاع بعضها إلى 40 سنتيمترا عند المدخل” بحسب ما كتب أحد علماء معهد Max Planck Institute العلمي في برلين، وهو الدكتور Markus Knaden المتخصص بعلم الاحياء التطوري، والذي يدرس “النمل الصحراوي” منذ 25 عاما.
وجد العلماء أن النمل يتخذ من كتل الملح في الملاحات التونسية معالم يستدل بها إلى مستعمرته حين يعود إليها
قال الدكتور كنادن أيضا: “من الصعب دائما معرفة ما إذا كان الحيوان يفعل شيئًا عن قصد أم لا” مضيفا في ما قرأته “العربية.نت” بموقع المجلة العلمية “تلال المستعمرات العالية في وسط الملاحات يمكن أن تكون أثًرا جانبيا للاختلافات في بنية التربة أو ظروف الرياح” ولمعرفة ما إذا كانت الاختلافات تتعلق بالملاحة، فقد تتبع وزملاؤه النمل عندما غادرت جماعاته مستعمراتها.
نملة نابليون
أما الدكتورة Marilia Freire من المعهد الألماني نفسه، فكتبت: “لاحظنا أن نمل الصحراء قادر على السفر لمسافات أكبر بكثير مما تم الإبلاغ عنه سابقا، فقد وجدناه يسافر أكثر من كيلومترين في اليوم. مع ذلك، لاحظنا أيضا ارتفاعا غير متوقع بمعدل الوفيات، فيما لا يجد 20% من النمل الباحث خارج المستعمرة عن الطعام طريقه إليها بعد مسافات طويلة، ومات أمام أعيننا”. أما إذا أزال العلماء التلال التي بناها النمل في بيئة خالية من المعالم والإشارات، فإن عددًا أقل من النمل وجد طريقه الصحيح، فيبدأ بإعادة بناء المعالم بأسرع وقت ممكن.
وضع العلماء في تجربة أخرى، معالم اصطناعية، منها أسطوانات سوداء صغيرة، قرب مداخل المستعمرة، ثم أزالوا ما بناه النمل من تلال، فلم يبن النمل معالم أخرى جديدة، لأنه وجد أن الأسطوانات كافية ليجعلها معالم على الطريق.
ونجد في التاريخ، من خارج ما نشرته المجلة، ما يدعم نظرية العلماء الجديدة، في قصة عن نابليون بونابارت، ملخصها أنه خاض معركة خسر فيها الكثير من رجاله وعتاده، لذلك راح يبحث عن حل في وقت رأى نملة تزحف باحثة عن لقمة عيشها، فوضع إصبعه ليمنعها من الوصول إلى حيث تريد، لكنها لم تستسلم، وكانت في كل مرة تغيّر طريقها ولم تيأس، وفجأة تركها وأسرع وجمع جيشه من جديد وهاجم خصمه من غير طريق وانتصر، كما النملة تماما.