في وقت سابق من هذا الشهر، أجرى موقع “آي إن سي” (inc) مقابلة مع كارين كيمبرو -التي تقود فريقا من الاقتصاديين والتقنيين والباحثين “الذين يستكشفون البيانات والأفكار حول أسباب وكيفية تغيير اتجاهات العمل”، على منصة “لينكد إن” (linkedin) منذ مطلع عام 2020- لتقديم رؤية شاملة حول “التطورات الحاصلة في مجال التوظيف، والمهارات التي قد تحتاجها الشركات خلال السنوات القادمة”.
وكارين كيمبرو حاصلة على دكتوراه في الاقتصاد من جامعة أكسفورد، وماجستير في السياسة العامة من كلية هارفارد كينيدي، وبكالوريوس في الاقتصاد من جامعة ستانفورد، وهي مصنفة ضمن أقوى النساء السود في مجال الأعمال لعام 2017، كما أنها الضيفة الأولى في معظم المؤتمرات والمقابلات الصحفية والتلفزيونية والبودكاست.
لخصت كيمبرو في رؤيتها 6 من أهم وأحدث اتجاهات التوظيف، واستخلصت ذلك من تفاعلات ورؤى حسابات 63 مليون شركة وأكثر من 930 مليون عضو نشط من جميع أنحاء العالم على “لينكد إن”، التي تُعد الشبكة المهنية الأولى في توفير بيانات واتجاهات التوظيف في العالم منذ انطلاقها منتصف عام 2003.
تباطؤ التوظيف
من المتوقع أن يشهد التوظيف بشكل عام انخفاضا بنسبة 30%، في حين سيشهد مجال التكنولوجيا تراجعا أسرع بنسبة 50%، حسب كيمبرو التي تقول إن صناعة التكنولوجيا والإعلام بشكل خاص تتعرض لضربة شديدة؛ فالشركات لا تسرح الموظفين فقط، بل قد تتلكؤ في توظيف آخرين.
وأظهر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول مستقبل الوظائف من 2023 إلى 2027، أنه “من بين 673 مليون وظيفة شملها التقرير، يُتوقع حدوث نمو بمقدار 69 مليون وظيفة، مقابل تراجع بمقدار 83 مليون وظيفة، بانخفاض قدره 14 مليون وظيفة، أو 2% من العمالة الحالية”.
وإن كان التباطؤ قد لا يشمل بعض القطاعات كالرعاية الصحية والنفط والغاز والطباعة، فإنه عندما يحين وقت التوظيف الفعلي في بعض الشركات فإنها تظهر بعض القلق بشأن مستقبل الاقتصاد، وفقا للكاتبة والمحللة الصناعية هايدي توليفر ووكر.
الوظائف الأسرع نموا
في الربع الأول من عام 2022، تحدثت كيمبرو على بودكاست “ميكروسوفت وورك لاب” (Microsoft’s WorkLab podcast) عن التوسع المستمر والمذهل في صناعة “الرعاية الصحية” بجميع تخصصاتها الطبية والخدمية، وهو ما أكده أندرو بارنز، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لمنصة “غو وان” (Go1) للتعلم عبر الإنترنت.
وتؤكد كيمبرو أن هناك نقاطا مضيئة للعمل في مجال الرعاية الصحية “من دون توقف”، بالإضافة إلى مجالات أخرى تشهد توظيفا قويا مثل الفندقة والتصنيع والنفط والغاز.
وبحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، يتصدر متخصصو الذكاء الاصطناعي قائمة الوظائف سريعة النمو، يليهم خبراء أمن المعلومات والطاقة الشمسية والمتجددة، ثم وظائف التعليم والزراعة والتسويق الرقمي.
الوظائف عن بُعد آخذة في الجفاف
لاحظت كيمبرو أن الوظائف عن بُعد آخذة في الجفاف، رغم ارتفاع الطلب عليها، فنسبتها على “لينكد إن” لا تتعدى 11%، رغم أن 50% من التطبيقات على المنصة مخصصة للوظائف عن بعد.
يستثنى من ذلك صناعة الطباعة، التي ترى هايدي ووكر أن العمل عن بعد فيها يتسع لخبراء تكنولوجيا المعلومات ومطوري البرامج وممثلي خدمة العملاء بشكل متزايد.
أما تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، فيشير إلى أن 44% من الفرص سوف تتراجع في السنوات الخمس المقبلة بتأثير من التكنولوجيا والرقمنة، وأن ثمة وظائف ستكون الأكثر تراجعا مثل الأعمال الكتابية أو السكرتارية وصرّافي البنوك والخدمات البريدية وإدخال البيانات.
أما أكبر الخسائر المتوقعة فستمتد إلى الوظائف الإدارية والأمنية التقليدية، حيث يتوقع التقرير أن تقل بمقدار 26 مليون وظيفة بحلول عام 2027.
المهارات والخبرات العملية أهم من الشهادات والمسميات الوظيفية
تقول كيمبرو “على الراغبين في التوظيف أن يستثمروا في أنفسهم، ويستعدوا للتعلم مدى الحياة” إذا أرادوا تحقيق الاستقلال الوظيفي والقدرة التنافسية.
وبدلا من التركيز على ماجستير إدارة الأعمال أو أي من الدرجات المشابهة، تنصح كيمبرو بالاستثمار في الخبرات العملية، قائلة “كلما كان لديك المهارات العملية المطلوبة، استطعت المنافسة في سوق العمل”.
فقد شهد لينكد إن زيادة في أصحاب العمل الذين يسلطون الضوء على المهارات والخبرات العملية، أكثر من الشهادات الجامعية أو المسميات الوظيفية.
وكانت كيمبرو قد أشارت على بودكاست “ميكروسوفت وورك لاب” إلى أن بيانات “لينكد إن” أظهرت أن “العديد من الوظائف تتطور بسرعة، مما يُحتم على الأشخاص تعلم مهارات جديدة طيلة حياتهم، حتى لو بقوا في المنصب نفسه”.
بدلا من التركيز على ماجستير إدارة الأعمال أو أي من الدرجات المشابهة، ينصح الخبراء بالاستثمار في الخبرات العملية لتحقيق المنافسة في سوق العمل
وعندما سُئلت عن المهارات التي سيكون لها مستقبل قوي، قالت كيمبرو “إن القدرة على تحليل كميات هائلة من البيانات، والقدرة على التواصل والقيادة بتعاطف واحترام، من المهارات التي تزداد أهميتها مع التقدم في السن، ولن تؤديها آلة أفضل من الإنسان”.
وتوقع تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن تكون تحليلات البيانات الضخمة والتشفير والأمن السيبراني من أكبر المحركات لنمو الوظائف، إلى جانب التفكير التحليلي والإبداعي، والمرونة وخفة الحركة والوعي الذاتي والفضول والتعلم، والاستماع الفعال والتأثير الاجتماعي، والتكيف مع أماكن العمل المضطربة، “من أهم المهارات الأساسية للعاملين في عام 2023”.
الذكاء الاصطناعي سيهدد وظائف متوسطي المهارات
تعود كيمبرو للتأكيد على أن التدريب على المهارات أمر بالغ الأهمية، حيث من المتوقع أن يتسبب الذكاء الاصطناعي في تعطيل وظائف “الطبقة المتوسطة المهارات”.
وذكر حساب “بريطانيا بالعربي” على موقع تويتر أن شركة الاتصالات البريطانية “تستعد لإلغاء 55 ألف وظيفة، واستبدال معظمهما والاكتفاء بالذكاء الاصطناعي”.
وأظهر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن “حوالي 75% من الشركات سوف تستعين بالذكاء الاصطناعي”، وتوقع أن تؤدي التقنيات الزراعية والتطبيقات الرقمية والتجارة الإلكترونية إلى اضطراب كبير في سوق العمل، وتغير هيكلي يشمل 23% من الوظائف في السنوات الخمس المقبلة.
لكنه أشار إلى أن هذا التأثير “قد يكون إلى حين”، حيث أكدت أكثر من 85% من الشركات التي شملها التقرير أن الاعتماد على التكنولوجيا والتقنيات الجديدة “قد يكون تأثيره إيجابيا على المدى الطويل”.