في ميادين الحروب لم يعد السلاح الأثقل هو الأكثر فتكا، بل باتت الطائرات المسيرة سيدة المعارك الحديثة فارضة حضورها على نحو غير مسبوق، خاصة في حرب روسيا وأوكرانيا التي توشك على دخول عامها الرابع.
وتناولت حلقة برنامج “المرصد” بتاريخ (2025/2/10) الدور المحوري الذي تلعبه المسيّرات في الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا، وكيف تحولت من أداة استطلاع إلى سلاح رئيسي في العمليات القتالية، مما دفع الدول المتحاربة إلى تعزيز قدراتها الإنتاجية من هذه التقنية العسكرية منخفضة التكلفة ومرتفعة الفاعلية.
وفي مدينة لفيف الأوكرانية لم تعد الطائرات المسيرة مجرد أدوات تكنولوجية متقدمة، بل أصبحت جزءا من المناهج الدراسية، إذ يتلقى الطلاب تدريبات مكثفة على تشغيلها.
ويقول أحد المدربين -وهو مقاتل سابق في الخطوط الأمامية- “الحرب مستمرة، وعلينا أن نكون مستعدين، التحكم في الطائرات المسيرة بات مهارة ضرورية، سواء في الميدان العسكري أو الحياة المدنية”.
وفي روسيا، ازداد إنتاج المسيّرات بوتيرة غير مسبوقة، إذ تسعى موسكو إلى تصنيع 32 ألف طائرة مسيرة سنويا بحلول عام 2030، وفق ما أُعلن خلال اجتماع عسكري ترأسه الرئيس فلاديمير بوتين مؤخرا، إذ تم الكشف عن خطط لإنشاء 48 مركزا لإنتاج المسيّرات خلال العقد المقبل.
وأصبحت الطائرات المسيرة السلاح الأكثر استخداما في الحرب الروسية الأوكرانية، إذ تتبادل القوات الأوكرانية والروسية شن هجمات دقيقة عبر مسيّرات استطلاعية ومسلحة قادرة على التحليق لمسافات بعيدة وإلقاء القنابل على أهداف محددة.
مختبر مفتوح
وتشير تقارير إعلامية إلى أن القوات الأوكرانية تعتمد على مسيّرات “إف بي في” التي تتميز بسرعة تصل إلى 60 كيلومترا في الساعة، وقدرتها على حمل كيلوغرام من المتفجرات، مع إمكانية توجيهها عبر نظارات خاصة وأجهزة تحكم محمولة، مما يمنح الجنود رؤية مباشرة لساحة المعركة.
ومع استمرار الحرب تحولت أوكرانيا إلى مختبر مفتوح لتطوير المسيّرات، إذ تعمل شركات ناشئة على تصميم طائرات مسيرة قادرة على تجاوز أنظمة التشويش الروسية، والقيام بمهام استطلاعية وهجومية أكثر تعقيدا، وقد أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن خطة لرفع إنتاج المسيّرات إلى مليون وحدة سنويا.
في المقابل، تواجه روسيا تحديات في تأمين مكونات التصنيع بسبب العقوبات الغربية، لكنها تعتمد على مصادر بديلة مثل الصين وإيران، فضلا عن استغلال الكفاءات المحلية لزيادة إنتاج المسيّرات الهجومية والاستطلاعية.
ولم يقتصر استخدام المسيّرات على الحرب الروسية الأوكرانية، بل امتد إلى ساحات قتال أخرى حول العالم، إذ غيّرت تكتيكات المعارك التقليدية، وأصبحت خيارا مفضلا للجيوش النظامية والجماعات المسلحة على حد سواء، فبتكلفة إنتاج منخفضة قد لا تتجاوز ألف دولار للوحدة الواحدة يمكن لطائرة مسيرة أن تحدث أضرارا تفوق تكلفتها بأضعاف.
وباتت الطائرات المسيرة سلاحا لا غنى عنه في الحروب الحديثة، فاستخدامها المتزايد يثير مخاوف أمنية عالمية، خاصة مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي التي قد تجعلها قادرة على اتخاذ قرارات هجومية ذاتية دون تدخل بشري، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر تعقيدا وخطورة في النزاعات المستقبلية.