في عام 2023 تصاعدت المخاوف من تقنيات الذكاء الاصطناعي مع انفتاح العالم عليها بشكل غير مسبوق، وذلك بعد طرح الجيل الأول من تقنية “شات جي بي تي” والضجة التي أحدثتها، ودفعت هذه المخاوف المهتمين بالتقنية حول العالم إلى تأسيس “القمة العالمية لسلامة الذكاء الاصطناعي” برئاسة يوشوا بنجيو عالم الحوسبة الكندي ذو الـ60 ربيعا.
وتطرق القمة كل الجوانب التي تسبب مخاوف عالمية، بدءا من الوظائف المستقبلية وأثر الذكاء الاصطناعي عليها وحتى الهجمات السيبرانية وتقنيات “التزييف العميق” والمحتوى المولد عبر الذكاء الاصطناعي، مرورا بآثار الذكاء الاصطناعي على البيئة والمناخ العالمي حتى تطوير الأسلحة عبره.
وهذا العام طرحت القمة تقريرا مكثفا تخاطب فيه كافة المخاوف من تقنيات الذكاء الاصطناعي، خاصة بعد تطورها بشكل كبير وحرائق كاليفورنيا التي يشتبه في دور الذكاء الاصطناعي فيها، وقد ضم التقرير النقاط التالية:
المخاوف على الوظائف العالمية
كان لمخاطر سوق العمل من قبل تقنيات الذكاء الاصطناعي جزء كبير في التقرير، خاصة مع سعي الشركات الدؤوب إلى طرح تقنيات الذكاء الاصطناعي العام القادر على أداء وظائف متنوعة قد تتفوق على العامل البشري.
واستهل التقرير فقرة مخاطر سوق العمل بوصف تأثير الذكاء الاصطناعي عليها، مشيرا إلى أنها ستكون عميقة وأكثر تأثيرا في عام 2025 عقب تطوير تقنيات عملاء الذكاء الاصطناعي، أي تقنيات الذكاء الاصطناعي المخصصة لوظائف بعينها والقادرة على تخطي القدرات البشرية.
“ويتمتع الذكاء الاصطناعي للأغراض العامة -خاصة إذا استمر في التقدم بسرعة- بالقدرة على أتمتة مجموعة واسعة جدا من المهام، وهو ما قد يكون له تأثير كبير على سوق العمل، وهذا يعني أن العديد من الأشخاص قد يفقدون وظائفهم الحالية”، هكذا وصف التقرير تأثير الذكاء الاصطناعي.
ورغم أن التقرير يشير إلى تأثير معاكس عبر ابتكار العديد من الوظائف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي فإن هذا يتطلب اكتساب مهارات جديدة قد لا تكون متاحة للعمالة الموجودة في الوقت الحالي.
وبحسب تقرير صندوق النقد الدولي، فإن 60% من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة مثل دول الخليج وأميركا والمملكة المتحدة تتأثر بتقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل سلبي، أي أن أكثر من نصف العاملين في هذه الأسواق قد يفقدون وظائفهم لصالح تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعززه تقرير معهد توني بلير الذي يشير إلى فقدان 3 ملايين وظيفة في القطاع الخاص بالمملكة المتحدة بمفردها رغم ولادة مئات الآلاف من الوظائف المستقبلية.
ويرهن التقرير هذا الأثر على قدرات الذكاء الاصطناعي في أتمتة المهام ومدى التطور الذي يصل إليه بنهاية العام، وهو ما تحدث عنه إيلون ماسك عام 2023 مع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك قائلا إن الذكاء الاصطناعي قادر على إلغاء الوظائف البشرية بشكل كامل.
وفي نهاية الجزء المتعلق بقطاع الأعمال أشار التقرير إلى أن الآراء بشأن الوظائف متضاربة بشكل كبير مع وجود ضبابية واسعة حول تأثير الذكاء الاصطناعي في القطاعات المختلفة، نظرا إلى أن بعض القطاعات تطلب العامل البشري مهما كان الذكاء الاصطناعي قادرا على أتمتة المهام وأدائها بشكل منفرد.
أثر يتنامى على البيئة
ويشير التقرير إلى أن آثار الذكاء الاصطناعي على البيئة ما زالت محدودة رغم نموه في الآونة الأخيرة، إذ تزداد الحاجة إلى مراكز بيانات قوية قادرة على تشغيل تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة، وذلك لأن مراكز البيانات هذه ما زالت تعتمد على الطاقة الكهربائية بشكل أساسي لتعمل وتقوم بتدريب تقنياته الحالية.
وفي الوقت الحالي، تستهلك مراكز البيانات ما يقارب 1% من إجمالي استهلاك الطاقة حول العالم مع كون الذكاء الاصطناعي مسؤولا عن 28% من إجمالي الاستهلاك الخاص بمراكز البيانات، كما يشير التقرير إلى أن هذا الاستهلاك يتزايد مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعقيد المهام التي تقوم بها.
وتكمن المشكلة في استهلاك الطاقة مع تقنيات الذكاء الاصطناعي في قصر الأبحاث على استخدام الطاقة المتجددة، فهي لن تكون قادرة على مواكبة التطور في قطاع الذكاء الاصطناعي، كما استشهد التقرير بشركات الذكاء الاصطناعي التي وضحت أن سباقه يهمل الأهداف البيئية المختلفة لتقنياته.
وفيما يتعلق باستهلاك المياه من قبل تقنيات الذكاء الاصطناعي فإن التقرير لم يكن قاطعا فيها لغياب البيانات المطلوبة لتقرير الأثر، إذ تستخدم المياه بشكل أساسي لتبريد مراكز البيانات، وهو ما يمثل خطرا كبيرا على حقوق الإنسان في الوصول إلى المياه النظيفة بشكل مستمر.
مخاوف من فقدان السيطرة
رغم أن العديد من أفلام الخيال العلمي تحدثت عن هذا الأمر فإن تقرير العالمية لسلامة الذكاء الاصطناعي أشار إلى كون هذه المخاوف حقيقية وليست حبيسة لأفلام الخيال العلمي، خاصة مع اقتراب الشركات من تطوير تقنية ذكاء اصطناعي قادرة على تخطي القدرات البشرية بشكل يصعب السيطرة عليه.
وقال بنجيو في تصريح لصحيفة “غارديان” إن تقنيات الذكاء الاصطناعي الحالية غير قادرة على تخطي قدرات السيطرة البشرية، وذلك لمحدودية قدراتها على التخطيط لفترات طويلة ثم تنفيذ هذه الخطة، ولكن حال حدوث ذلك فإن المخاوف تصبح حقيقية بشكل يتطلب تدخلا قانونيا وتشريعيا لتقويضها.
ذكاء اصطناعي يطور أسلحة حيوية
ويشير التقرير إلى أن نماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة قادرة على توليد أسلحة حيوية فائقة القوة تتخطى ما يمكن لحاملي الدكتوراه توليده، مما يزيد احتمالية استخدامه لبناء هذه الأسلحة الحيوية التي تمثل خطرا حقيقيا على الحياة البشرية.
لكن، يضع التقرير عائقا أساسيا أمام تطوير هذه الأسلحة، خاصة مع غياب المعدات التي يمكنها تنفيذ مثل هذه الأسلحة المتطورة، فضلا عن عمليات التخطيط اللازمة لاستخدامها وتأثيرها بشكل واسع، ولكن هذا لا ينفي وجود الخطر بالكامل.
هجمات الأمن السيبراني المعززة بالذكاء الاصطناعي.. الخطر الأكبر
ومن ناحية هجمات الأمن السيبراني بالذكاء الاصطناعي كان التقرير واضحا في وصفها بالخطر الأكبر، خاصة مع احتمالية تطوير آليات ذكاء اصطناعي قادرة على أتمتة الهجمات مع تطور تقنيات التزييف العميق.
ويشير التقرير إلى أن الخطر الأكبر على صعيد الهجمات السيبرانية يكمن في الترابط بين التزييف العميق وأتمتة الهجمات السيبرانية، إذ يمكن للمخترقين أتمتة هجوم سيبراني يعمل على توليد مقاطع ونصوص بالتزييف العميق يصعب على غير الخبراء اكتشافها.
وربما كان ما حدث مع سيدة فرنسية عندما تعرضت لهجوم سيبراني معزز بالتزييف العميق جعلها تصدق أن ثلاجة منزلية تحدّثها وتطلب منها أموالا وتعدها بالزواج في المستقبل القريب مثالا واضحا على ذلك.
ويؤكد التقرير على ضرورة تقديم تشريعات تحظر هذه الاستخدامات، وتعاقب الشركات الي تعمل فيها بشكل مباشر من أجل خفض مخاطر التقرير بشكل كبير.