رغم إجراء الدراسة على نوع واحد فقط من الأسماك فإن هذه التجربة الفريدة تشير إلى تأثيرات الاحترار على نطاق نظام بيئي كامل، مما يجعل نتائجها وثيقة الصلة بسياق الاحتباس الحراري.
توصلت دراسة جديدة -نشرت في دورية “إي لايف” (eLife)- إلى أن تلوث المياه الدافئة أدى إلى زيادة معدلات نمو الأسماك، ومعدلات وفياتها، وإلى وجود عدد أكبر من الأسماك الأصغر سنا في النظم البيئية المائية.
وتشكك هذه الدراسة -التي أجراها باحثون من الجامعة السويدية للعلوم الزراعية- في النظرية القائلة إن الحيوانات التي تتنفس الماء مثل الأسماك ستنكمش بسبب الاحتباس الحراري. ويتعارض هذا الاكتشاف جزئيا مع التوقعات العامة لتأثير الاحترار على النظم البيئية الطبيعية، ويسلط الضوء على ضرورة اختبارها في تجارب واسعة النطاق.
دراسة تأثيرات تلوث المياه الدافئة
وبحسب البيان الصحفي الصادر عن مؤسسة “إي لايف” لنشر الأبحاث العلمية يوم 9 مايو/أيار الجاري، فإنه عندما تصبح النظم البيئية المائية أكثر دفئا، من المتوقع أن تنمو الحيوانات مثل الأسماك بشكل أسرع في سن مبكرة، ولكنها تصل إلى أحجام أصغر عند البلوغ، وقد لوحظ هذا النمط بشكل أساسي في التجارب الصغيرة.
ورغم أن بعض الدراسات قد اختبرت هذا التنبؤ في البيئات الطبيعية، فقد تم إجراء تلك الاختبارات في الغالب على أنواع الأسماك التي تخضع للصيد، حيث يمكن أن تؤثر عملية الصيد نفسها على معدلات النمو وحجم الجسم.
ويقول ماكس ليندمارك المؤلف الرئيسي للدراسة والباحث بالجامعة السويدية للعلوم الزراعية “استخدمنا في بحثنا هذا نظام دراسة فريدا للتحقيق في تأثير المياه الدافئة على معدلات الوفيات والنمو وحجم الأسماك على مدى أجيال عديدة”.
وكان أعضاء الفريق البحثي قد أجروا دراستهم في خليج ساحلي مغلق تلقى فيه مياه التبريد من محطة للطاقة النووية، مما جعله أكثر دفئا بمقدار 5-10 درجات مئوية عن المياه المحيطة.
وفي الخطوة التالية، قاموا بالمقارنة بين أحد أنواع الأسماك يدعى “الفرخ الأوروبي” (Eurasian perch) من الخليج المغلق، وأنواع أخرى من منطقة مرجعية في الأرخبيل المجاور خلال فترة زمنية مدتها 24 عاما.
ثم أجريت عملية دمج البيانات حول المصيد مع قياسات طول الأسماك وارتباطها بالعمر (تم حسابه بأثر رجعي طوال حياتها) ثم قاموا بتحليلها باستخدام نماذج إحصائية للتحقيق في كيفية تأثير تلوث المياه الدافئة على العمر وحجم التجمعات السمكية ومعدلات نموها وموتها.
تأثيرات غير متوقعة
في الوقت الذي وجد فيه الباحثون اختلافات ملحوظة في إحصائيات معدلات النمو المقدرة، ومعدلات الوفيات، وأحجام تجمعات الأسماك بين المناطق الساخنة والمرجعية، لم تكن كل هذه التغييرات كما توقعوا.
ورغم نمو الإناث من الأسماك في المنطقة الدافئة بشكل أسرع -كما توقع الفريق- فقد استمرت في ذلك طوال حياتها، ولذلك وصلت هذه الأسماك إلى حجم كبير في العمر، حوالي 7-11% أكبر بالمنطقة المسخنة في أي عمر، مقارنة بالمنطقة المرجعية.
وعلاوة على ذلك، يقول المؤلفون إن الزيادة بمعدل نمو الأسماك الأصغر سنا بسبب الماء الدافئ كانت واضحة جدا لدرجة أنه حتى لو كانت معدلات الوفيات أعلى بسبب الاحترار، وأدت لزيادة عدد الأسماك الأصغر سنا، وكذا متوسط الحجم والوفرة النسبية للأسماك الأكبر حجما، فلا يزال المعدل أعلى بالمنطقة الساخنة.
وبالتالي، فان ذلك يتعارض مع التنبؤ بأن الاحترار العالمي سيقلص الأسماك بمرور الوقت، خاصة الأسماك الكبيرة والقديمة.
وتقول مالين كارلسون المؤلفة المشاركة ومدير المياه بقسم الطبيعة والبيئة بمجلس إدارة مقاطعة فاستمانلاند في السويد “تقدم دراستنا دليلا قويا على الاختلافات التي يسببها الاحترار بمعدلات النمو والوفاة بين أنواع الأسماك المعتدلة غير المستغلة المعرضة لزيادات في درجة حرارة الماء، والتي تتراوح بين 5 و10 درجات مئوية لأكثر من عقدين، وهذه التأثيرات تتعارض إلى حد كبير مع بعضها البعض، ورغم أن الأسماك أصغر سنا فإنها أكبر حجما من المتوسط”.
آفاق البحث
من ناحية أخرى، قال البيان الصحفي “نتائج الدراسة تسلط الضوء على أن التنبؤات القائمة على النظريات التعميمية مثل قاعدة (درجة الحرارة – الحجم) قد يكون لها استخدام محدود للتنبؤ بالتغيرات على مستوى أعداد الأسماك، وأن معدلات الوفيات والنمو مهمة عند دراسة تأثيرات درجة الحرارة”.
كما خلصت آنا جاردمارك كبيرة المؤلفين والأستاذ بالجامعة السويدية للعلوم الزراعية، بقسم الموارد المائية، في أوبسالا بالسويد إلى أنه “رغم أننا درسنا نوعا واحدا فقط من الأسماك، فإن هذه التجربة الفريدة لتغير المناخ تشير إلى تأثيرات الاحترار على نطاق نظام بيئي كامل، مما يجعل نتائجها وثيقة الصلة بسياق الاحتباس الحراري”.