وصل الخبر صباح الأربعاء لعامر مرعي وعائلته بوفاة جده، فاضطرت العائلة النازحة من مخيم جنين في بلدة قباطية جنوب جنين للعودة إلى الحي الشرقي في المدينة لإجراء مراسم الدفن، ثم التجمع في منطقة جبل أبو ظهير القريبة من المخيم لفتح عزاء وليوم واحد فقط في المسجد.
والجد مرعي المتوفى كان قد نزح من مخيم جنين إلى منزل ابنته في قرية عانين غربي جنين، مع بدء الاحتلال عمليته العسكرية قبل 3 أسابيع، قبل أن يتوفى بعيدا عن بيته، ويدفن في مدينة جنين لاستحالة دفنه في مقبرة المخيم.
يقول الحفيد عامر “جدي الذي لجأ إلى المخيم مات نازحا عنه، ودفن غريبا في مقبرة أخرى، غير مقبرة المخيم، هكذا أصبح حالنا نحن اللاجئين في مخيم جنين”.
من مخيم لمخيم
نزحت عائلة مرعي إلى منزل ابنتهم في مخيم الفارعة بعد دخول قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين، لكن سرعان ما حاصر الاحتلال الفارعة وفرض حظر التجول على سكانها، وبدأ بإجبار الناس على الخروج من منازلهم.
يقول عامر للجزيرة نت “نحن عائلة كبيرة ممتدة، نسكن كلنا في منزل واحد من 6 طبقات، الجد والأبناء وعمتي والأحفاد، وعند نزوحنا اختار كل فرع من العائلة اللجوء إلى مكان مختلف، كي يكون النزوح أسهل والحركة أسرع، وحتى لا نزيد الحمل على العائلات التي سننزح عندها”.
وجرت العادة في اقتحامات سابقة أن تخرج العائلات من مخيم جنين إلى أقاربهم في مخيمات أخرى في مدن شمال الضفة الغربية، إلى حين انسحاب قوات الاحتلال من المدينة والمخيم، لكن ورغم انسحاب الاحتلال من مخيم الفارعة، فإن الدمار الكبير في المنازل وممتلكات المواطنين صعّب على الأهالي العودة إليها.
وبالنسبة إلى عائلة عامر، فبعد دخول الاحتلال شارع مهيوب في عمق مخيم جنين خلال عملية “السور الحديدي”، فخخ الجنود الإسرائيليون منزل العائلة وسواه بالأرض، ففقدت العائلة مكان سكنها بشكل كامل، ولا يعرف أحد منهم الآن كيف سيتمكنون من العودة إلى المخيم.
لكن الأصعب، حسب عامر، هو نزوح العائلة من دون أن يسمح لهم بحمل أي شيء من المنزل، فلم يعودوا يملكون ملابس أو أدوية أو أي مستلزمات شخصية.
ويقول “كنت أجهز شقتي للزواج، أثثتها وجهزتها بفرش جديد، راحت كلها، نسفها الاحتلال بشكل كامل، بالإضافة إلى أستديو بكامل المعدات الصوتية والتسجيلية، تقدر تكلفته بقرابة 70 ألف شيكل، كلها تدمرت مع المنزل، كما خسرت ورشة الحدادة التي كنت أعمل بها داخل محل أسفل بنايتنا”.
وتعيش عائلة عامر مرعي اليوم نزوحا جديدا في بلدة قباطية جنوب جنين، بعد لجوئهم إلى بيت إحدى قريباتهم الكبيرة في السن، حيث يعيش 10 أفراد في غرفة صغيرة، وتنقصهم كثير من الاحتياجات الضرورية لإدارة يومهم بشكل طبيعي.
“نمنا في المسجد”
وفي مخيم طولكرم للاجئين شمال الضفة الغربية، اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي منزل سماح صلاحات، وبعد استجواب دقيق وتفتيش، وتحطيم محتويات المنزل وتكسيره، قال لها الضابط الإسرائيلي “لديك 5 دقائق لإخلاء المنزل والخروج منه”.
هذه المرة، لم تتمكن صلاحات من اللجوء إلى منزل والدها في مخيم جنين كما اعتادت خلال الاقتحامات السابقة لمخيم طولكرم، حيث اضطر والدها وبقية أهلها لإخلاء منزلهم في الأيام الأولى لاقتحام جنين، وتوجهوا إلى منزل شقيقتها في بلدة برقين المجاورة.
وبينما خرجت صلاحات ووالدة زوجها مع عشرات العائلات من منازلهم، جرى اعتقال زوجها من أحد شوارع المخيم، ونقله إلى جهة غير معروفة، فاضطرت صلاحات لأن تبيت يومين كاملين في مسجد وصلت إليه بعد نزوحها من المخيم، قبل أن تنتقل إلى بلدة ذنابة القريبة من مدينة طولكرم.
وتصف صلاحات ما مرت به بقولها “كنا نساء وحيدات، والبعض معهم أطفالهم، بتنا في المسجد من دون وسائل تدفئة ومن دون أغطية، وكنت لا أستطيع الحصول على خبر عن مكان زوجي أيضا، لا يمكن وصف حال سيدات يبتن في مسجد، بعد ترحيلهن عن منازلهم”.
أما عجزها عن الوصول للمنزل الذي اعتادت اللجوء إليه في ظروف مشابهة، فتقول: “ربما يعتقد من يسمع بأن منزل والدي موجود في المخيم أنه منزل بسيط وأننا أصحاب عوز، الناس لا تعرف أن بيوتنا في المخيمات بيوت عز، وأننا نكرم الضيوف وننجد من يستنجد بنا”.
وتضيف “والدي معروف في مخيم جنين، والكل يقصده وقت الحاجة، نزوحي من منزلي كان مصيبة، وعدم استطاعتي الوصول إلى منزل والدي واللجوء إليه مصيبة أخرى”.
مستقبل مجهول
استطاعت صلاحات وبمساعدة بعض المعارف الوصول إلى بلدة ذنابة وتأمين منزل صغير للمكوث فيه برفقة والدة زوجها، وبعد يومين تم الإفراج عن زوجها.
وتقول إن لجنة خدمات مخيم طولكرم أمّنت لعدد قليل من النازحين بيوتا ودفعت أجرتها، لكنها تؤكد أن “حال النازحين لا يسمح بالبقاء لوقت طويل خارج المخيم، هذه البيوت فارغة لا يوجد بها عفش ولا غاز ولا بطانيات”.
وتصف صلاحات شعور النزوح الصعب، وتقول: “مؤلم أن أُجبر على ترك منزلي، في الاقتحامات السابقة كنا نترك المنزل ليوم أو اثنين وأحيانا أسبوع، وكنت أقضي هذه الأيام عند أهلي في مخيم جنين، اليوم أنا وأهلي نازحين، وكل منا في محافظة مختلفة، الوضع صعب جدا، الناس تعاني أصلا من قلة المال منذ أشهر طويلة، ونحن على أعتاب شهر رمضان، كيف سنتدبر أمورنا؟”.
تعيش صلاحات اليوم مخاوف كثيرة بعد نزوحها من مخيم طولكرم، يتعلق بعضها بوضع عائلتها وإن كانت ستستطيع الوصول إليهم بعد لجوئهم إلى بلدة برقين، وبعضها الآخر يتعلق بمستقبل ضبابي ينتظرها وزوجها، خاصة بعد أن اتضح أنها حامل في الشهر الأول.
وحسب القائمة بأعمال مكتب إعلام “الأونروا” عبير إسماعيل، فإن أكثر من ألفي عائلة نزحت من مخيم طولكرم، في حين وصل عدد العائلات النازحة من مخيم جنين إلى 3500 عائلة، كما قدرت أن عدد النازحين من مخيمات شمال الضفة الغربية بشكل عام يصل إلى 40 ألف نازح.