في خطوة مفاجئة ومحملة بالدلالات السياسية والتاريخية، اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين ولاية ألاسكا الأمريكية لعقد قمة ثنائية تاريخية تهدف إلى مناقشة إنهاء الحرب في أوكرانيا.
وأثار اختيار ولاية ألاسكا لعقد هذه القمة اهتماما واسعا، خصوصا بين النخبة الروسية التي رحبت بهذا القرار، معتبرة إياه رمزا للتقارب التاريخي والجغرافي بين روسيا والولايات المتحدة.
لكن ما الذي يجعل ألاسكا الخيار المثالي لهذه القمة؟ ولماذا أشادت النخبة الروسية بهذا الاختيار؟
تأتي القمة في ظل تصاعد التوترات بسبب الحرب في أوكرانيا، إذ أعلن ترمب نيته فرض عقوبات ثانوية على الدول التي تشتري النفط الروسي إذا لم يوافق بوتين على وقف إطلاق النار، ومع ذلك، يرى المحللون أن اختيار ألاسكا قد يكون بمثابة تنازل دبلوماسي لروسيا، إذ يعزز مكانة بوتين على الساحة الدولية دون تقديم تنازلات كبيرة من جانبه.
الهدف المعلن للقمة هو بحث سبل إنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا التي بدأت في فبراير 2022، مع تركيز محتمل على مقترحات لتبادل الأراضي بين روسيا وأوكرانيا، ومع ذلك أثار غياب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن القمة قلقا في أوكرانيا وأوروبا، إذ يخشى البعض أن يتم اتخاذ قرارات بشأن مصير أوكرانيا دون مشاركتها.
لماذا تم اختيار ألاسكا؟
اختيار ألاسكا لم يكن عشوائيا، إذ كانت هذه الولاية جزءا من الإمبراطورية الروسية حتى بيعها للولايات المتحدة عام 1867 مقابل 7.2 مليون دولار، فهي تحمل رمزية تاريخية وجغرافية عميقة، وتقع ألاسكا على بعد أقل من 85 كيلومترا من الأراضي الروسية عبر مضيق بيرينغ، ما يجعلها أقرب ولاية أمريكية إلى روسيا جغرافيا.
ولاقى اختيار ألاسكا ترحيبا واسعا من المعلقين والسياسيين الروس، الذين رأوا فيه إشارة إلى إمكانية تعزيز العلاقات بين البلدين، إذ كانت ألاسكا، التي عُرفت باسم «أمريكا الروسية»، تحت سيطرة الإمبراطورية الروسية منذ القرن الثامن عشر حتى عام 1867، عندما باعها القيصر ألكسندر الثاني للولايات المتحدة في صفقة عُرفت باسم «حماقة سيوارد» نسبة إلى وزير الخارجية الأمريكي ويليام سيوارد.
موقف النخب الروسية
وأشادت النخبة الروسية، بما في ذلك السياسيون ووسائل الإعلام الحكومية، باختيار ألاسكا، إذ وصف يوري أوشاكوف، مستشار بوتين للشؤون الخارجية، الموقع بأنه «منطقي تماما» نظرا للقرب الجغرافي عبر مضيق بيرينغ، كما أشار السيناتور فلاديمير جاباروف إلى أن ألاسكا «بعيدة جدا عن أوكرانيا وأوروبا»، ما يعزز فكرة استبعاد الأطراف الأخرى من المفاوضات.
ووفقا لشبكة «إن بي سي»، أشاد المعلقون الروس أيضا بموقع قمة ألاسكا ومن بينهم ألكسندر بوبروف، الذي كتب في افتتاحية لقناة «آر تي» الروسية الحكومية أن القمة «أكثر من مجرد لقاء بين زعيمين»، و«عودة إلى منطق الحوار المباشر دون وسطاء»، وقال إن القمة في ألاسكا «حيث لا تزال الكنائس الأرثوذكسية الروسية منتشرة في كل مكان، وتدل أسماء أماكن مثل نيكولايفسك وفوزنيسينسك على تاريخهما المشترك» يمكن أن تساعد في بناء علاقات عبر مضيق بيرينغ الذي يفصل بين البلدين.
لماذا باعت روسيا ألاسكا؟
كان هدف الإمبراطورية الروسية من البيع منع بريطانيا من السيطرة على المنطقة وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، إلا أنه وحتى اليوم، لا تزال آثار الوجود الروسي واضحة في ألاسكا، من خلال الكنائس الأرثوذكسية الروسية وأسماء الأماكن مثل نيكولايفسك وفوزنيسينسك، إلى جانب وجود مجتمعات من نسل المستوطنين الروس المعروفين باسم «المؤمنون القدامى».
ويرى متابعون أن اختيار ألاسكا يحمل عدة دلالات، في مقدمتها أنه يتيح للرئيس بوتين زيارة الولايات المتحدة دون الخوف من الاعتقال بسبب مذكرة المحكمة الجنائية الدولية الصادرة ضده عام 2023، إذ إن الولايات المتحدة لا تعترف بسلطة المحكمة، ويعكس الاختيار رغبة ترمب في إجراء محادثات مباشرة دون وسطاء، مثل تركيا أو الإمارات، بعيدا عن العواصم الأوروبية التي قد تضغط لإشراك أوكرانيا أو حلف الناتو.
وأثارت القمة قلق أوكرانيا وأوروبا، إذ أكد زيلينسكي أن أي قرارات تُتخذ دون مشاركة أوكرانيا «لن تحقق السلام» كما عبرت دول الاتحاد الأوروبي عن دعمها لموقف أوكرانيا، مؤكدة أن السلام لا يمكن أن يتحقق دون إشراك كييف، وفي المقابل، يرى بعض المراقبين أن ترمب يسعى من خلال هذه القمة إلى تحقيق إنجاز دبلوماسي يعزز صورته كـ«صانع سلام»، بينما يرى آخرون أن بوتين يستغل هذه الفرصة لتعزيز موقفه الدبلوماسي.
أخبار ذات صلة