وأوضح أن السلطات لم تتهم الشركة رسميًا بالتلاعب بالرأي العام أو تلقي تمويلات خفية، بل جاءت التهم، وفق القانون التونسي، تحت تصنيف التآمر على أمن الدولة، وتشكيل وفاق إجرامي، والتحريض على العنف، إضافة إلى مزاعم تتعلق بتبييض الأموال والإرهاب.
وأكد أن التقارير الفنية التي أعدتها مؤسسات الدولة نفسها أثبتت عدم صلة إنستالينغو بالصفحات التي استند إليها الاتهام، مشددًا على أن سياسات المؤسسة التحريرية كانت واضحة في التزامها بالمهنية وعدم المساس بمؤسسات الدولة.
كما نفى أي علاقة للشركة بتبييض الأموال، موضحًا أن جميع حساباتها كانت شفافة وخاضعة لرقابة الجهات الرسمية، ولم يتم العثور على أي تحويلات مالية مشبوهة أو ممتلكات يمكن أن تدعم هذه الادعاءات.
ليس موظفا
وبشأن الأحكام الصادرة، أشار الكحيلي إلى أن العقوبة الأشد، البالغة 54 سنة سجنًا، استهدفت شقيقه سالم، رغم أنه لا تربطه أي علاقة بإنستالينغو ولم يسبق له زيارة مقرها أو التعامل معها ماليًا. واعتبر أن الحكم جاء في سياق “التشفي والانتقام من العائلة”.
أما عن الخطوات القادمة، فأكد الكحيلي أن اللجوء إلى الهيئات القضائية الدولية بات الخيار الوحيد، مشيرًا إلى أن هناك جهودا للتوجه إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لمقاضاة السلطات التونسية.
في حين رأى الحقوقي عادل الماجري أن “هناك الكثير من الوسائل لكف يد الحكومة التونسية عن استخدام القضاء، أولها الضغط الإعلامي وفضح ممارسات سلطة قيس سعيد وإبراز الخروقات القانونية التي يقوم بها قضاء التعليمات”. وتابع أن “من بين الوسائل الأخرى تقديم الشكاوى والقضايا لدى الأمم المتحدة، وخاصة المقررة الخاصة لاستقلال القضاة والمحامين”.
وكشف الماجري أن تقديم قضايا للمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب كان له تأثير عميق في كف يد الحكومة التونسية، حيث أصدرت المحكمة الأفريقية قرارًا ألغى كل الأوامر التي أصدرها قيس سعيد بعد 25 يوليو/تموز 2021.

وأضاف أن “الدليل على أن هذه القضايا أزعجت نظام قيس سعيد هو قرار وزير الخارجية التونسي بسحب اعتراف الدولة التونسية باختصاص المحكمة الأفريقية في قبول العرائض والشكاوى من الأفراد والمنظمات”.
وبالنظر إلى أن غالبية الأحكام الصادرة بحق المتهمين في “إنستاليغنو 1″ طالت شخصيات بارزة في حزب حركة النهضة الإسلامي المعارض، فقد غذت الشبهات في أن العدالة خلال حكم قيس سعيد -الموصوف في تقرير لمجموعة الأزمات الدولية بـ”الاستبدادي الشعبوي”- تستخدم لأغراض سياسية.
افتعال وتلفيق
في هذا الصدد، يقول وزير الخارجية الأسبق (المقيم بالمنفى) رفيق عبد السلام إنها “قضية مفتعلة من أساسها”. وعلق في تصريح للجزيرة نت على ما أسماه بـ”إقحامه” في القضية وصدور حكم بسجنه 22 عاما بالقول “من الواضح أن السلطة القضائية في عهد قيس سعيد تلبس لبوسًا قضائيا لمن تشاء، وتكيّف القضايا بما يخدم أهدافها في التخلص من الخصوم والمعارضين السياسيين”.

ورأى عبد السلام في قضية إنستالينغو دليلا على أن نظام الرئيس سعيد “قائم على تلفيق القضايا للمعارضين السياسيين، وبات استعمال القضاء من أجل تصفية الخصوم السياسيين هو الشغل الشاغل لهذا النظام”.
من جهته، أثنى عادل الماجري، الناشط الحقوقي الدولي ونائب رئيس جمعية ضحايا التعذيب (مقرّها جنيف)، على ما ذهب عبد السلام إليه. وقال للجزيرة نت “نعم، القضاء في تونس أصبح مسخّرًا لخدمة السلطة، وتجدر الإشارة إلى أن قيس سعيد يعتبر القضاء وظيفة وليس سلطة، وبالتالي يراه أداة في خدمة السلطة السياسية”.