بسبب الفيضانات المدمرة التي ضربت شرق البلاد، يُحدق خطر الانهيار بموقع “قورينا” الإغريقي الأثري القديم في ليبيا والمصنف منذ عام 2016 من اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي، وفق شهادات وعالم آثار.
في السياق يشرح رئيس البعثة الأثرية الفرنسية في ليبيا فِنسان ميشال في تصريح لفرانس برس أن الموقع “ضخم وأكبر مستعمرة يونانية”، مشيراً إلى أنه “مدينة بُنيت بين نهاية القرن السابع وبداية القرن السادس قبل الميلاد”.
وجاء سكان المدينة الأُوَل من ثيرا، أي جزيرة سانتوريني الحالية، واستقروا فيها لأن أرضها خصبة ومياهها وفيرة.
تعرض لانهيارات عدة
من جهتها تفيد المتخصصة في الشؤون الليبية في “مجموعة الأزمات الدولية” كلوديا غازيني التي زارت قورينا في الأيام الأخيرة، بأن الموقع لا يزال مغموراً بالمياه إلى حد كبير وقد تعرض لانهيارات عدة.
كما تضيف غازيني في اتصال هاتفي مع فرانس برس من بنغازي، أن “طريقاً انحدارية، هي شارع الوادي، تصطف على جانبيها أسوار قديمة، كانت تربط الجزء العلوي من الموقع بالجزء السفلي، وتتدفق عبرها مياه الأمطار، لكن كتلاً من الحجارة سقطت، ما أدى إلى منع تدفق المياه”.
ALERT- Floods that hit eastern Libya last week have damaged the @UNESCO world heritage site of Cyrene (locally known as Shahhat). Cyrene is a stunning ancient Greek later Roman city overlooking the coast, 60km west of Derna. I visited the site and this is what I found. THREAD pic.twitter.com/BbOCXC9pli
— Claudia Gazzini (@ClaudiaGazzini) September 18, 2023
كذلك تردف: “في الجزء السفلي من الموقع، لدينا أيضاً مياه قذرة تخرج من الأرض وسط الآثار بشكل متواصل” مؤكدة أن أهالي المنطقة ومسؤولاً من دائرة الآثار المحلية موجودون في الموقع ويجهلون تماماً مصدر هذه المياه.
“نافورة أبولو”
والأسوأ من كل ذلك، هو أن “نافورة أبولو”، وهي عبارة عن بركة طبيعية محفورة في كهف تجمع مياه الينابيع الصافية، “تحولت إلى حوض استحمام كبير”، بحسب غازيني التي التقطت صوراً ومقاطع فيديو للموقع.
كما تؤكد أن كل ذلك كان بسبب “5 ساعات من الأمطار الغزيرة التي هطلت على الموقع وقرية شحات المجاورة”، ليلة 10 و11 من سبتمبر الحالي، كاشفة عن مخاوفها بشأن وضعية المسرح اليوناني حيث انهارت كتل كبيرة وسطه.
ويشعر السكان الذين كانوا يفضلون التنزه في هذا الموقع المطل على مناظر خلابة للبحر الأبيض المتوسط، بالقلق إزاء احتمال هطول أمطار الشتاء، على ما يبين أحد المواطنين في مقطع فيديو.
كذلك توضح غازيني أن “الجدار المحيط قد ينهار ويزيل جزءاً كبيراً من الموقع الأثري إذا استمر تسرب المياه وظلت المياه متراكمة في الموقع”.
سيول وتراب وحجارة
من جانبه يلاحظ فِنسان ميشال، الذي يعرف الموقع جيداً وتمكن من تحليل صور للمكان بعد الفيضانات، أن “لا دمار كبيراً في قورينا في الوقت الراهن، ولا تزال الآثار قائمة”.
فيما يبدي تخوفه من “سيول المياه والتراب والحجارة التي قطعت الطرق، وخصوصاً الطريق الملكية، منبهاً إلى أن “الضرر الرئيسي آت لأن المياه انتشرت على نطاق واسع وأضعفت أساسات الآثار”، مضيفاً: “الآثار معرضة للانهيار بسبب عدم وجود أساسات قوية”.
وتضم مدينة قورينا “واحداً من أعظم المعابد في العصور القديمة، وهو معبد زيوس الأكبر من معبد البارثينون في أثينا”، على ما يؤكده الخبير في اتصال هاتفي مع فرانس برس من فرنسا.
كذلك تمثل المقبرة الضخمة الواقعة شمال الموقع، مصدر قلق آخر، إذ تتلقى “مئات الأمتار المكعبة من المياه، كان من الممكن أن تؤدي إلى إزاحة المقبرة وغمرها بالماء”.
خطر النهب
وأعرب عن مخاوفه خصوصاً حيال خطر النهب من هذا الموقع الاستثنائي حيث تم العثور على “صور جنائزية من العصر الروماني وتماثيل صغيرة لآلهة يونانية فريدة” خلال عمليات التنقيب الأخيرة.
أما ما يجعله يشعر ببعض من الطمأنينة هو أن مصلحة الآثار الليبية “في حالة استنفار كبيرة” وطلبت المساعدة من البعثة الأثرية الإيطالية في قورينا ومن الفرق الفرنسية في أبولونيا الميناء الأثري القديم لقورينا.
كما يدعو إلى التعاون “مع السلطات المحلية بالتنسيق مع اليونسكو لتحديد أبرز مواطن الضعف في الآثار” واستعادة دوران المياه و”المشاركة في تدعيم الآثار”.