بينما يلفظ البحر في درنة جثث أبنائها إلى الشاطئ وتغوص أخرى في أعماقه، يبقى تراشق الاتهامات بين المسؤولين سيد الموقف.
فبعدما أعلنت النيابة العامة توقيف 8 مسؤولين لتورطهم في اهمال صيانة سدي المدينة “وادي درنة” وأبو منصور، كشف تقرير أميركي تفاصيل جديدة.
3 شركات فرت
ذكرت وثائق رسمية أن “سوء الإدارة والفساد”، كانا العامل الأهم في تلك الكارثة. فقد بينت تقارير من “ديوان المحاسبة” التابع لحكومة عبد الحميد الدبيبة، في الغرب الليبي، فضلا عن مقابلات مع مسؤولين ليبيين، ومقاولين أجانب، تم تعيينهم لإصلاح المشاكل الهيكلية في السدين اللذين انهارا أن الإهمال عمره سنوات طويلة، وفق ما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وتبين أنه في 2003، أي بعد رفع العقوبات الدولية عن ليبيا، جاءت شركة سويسرية تدعى “ستوكي”، يديرها المهندس السويسري المقيم في لوزان ميغيل ستوكي، لمعاينة السدين في درنة، وأوضحت حينها أن الهياكل فيهما تواجه ضغطا، موصية بضرورة ترميمها وبناء سد ثالث لتخفيف الضغط عليهما.
لكن لم يتم إنجاز المهمة، خصوصاً أن ستوكي قد نجا بأعجوبة من الاعتقال في ليبيا، بعدما تم اعتقال هانيبال، نجل العقيد الراحل معمر القذافي في جنيف بتهمة ضرب وتعنيف خادمين لديه.
وحين اعترضت ليبيا على احتجاز هانيبال في سويسرا، قبضت على شريك ستوكي وصادرت أعماله التجارية المتعلقة بالإسمنت في طرابلس، ما أدى لتوقف الأعمال.
وقبيل سقوط القذافي بفترة بسيطة، استقدمت شركة إيطالية لتقديم تقييم آخر، وخلصت مرة أخرى إلى أن السدين بحاجة إلى صيانة وتعزيز، دون أي تنفيذ.
ثم بدأت شركة تركية بالعمل أخيرا على المشروع عام 2011، إلا أن الاحتجاجات التي أطاحت بالقذافي، جعلت العمل في ترميم السدين يتوقف بسبب انعدام الأمن.
كما تم تدمير موقع العمل في سد درنة من قبل “مثيري شغب”، الذين “سرقوا معدات الشركة، ما أجبر الموظفين على الفرار”، بحسب الصحيفة.
داعش وحكم المتطرفين
وفي وقت لاحق، استولى متطرفون على درنة عام 2014 بعد أن بايعوا تنظيم داعش الإرهابي، ليستمر حصار المدينة 4 سنوات، حتى دخلها الجيش الليبي.
في ذاك الوقت كانت السدود بعيدة عن متناول الحكومة المركزية في طرابلس، والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وأوضح “ديوان المحاسبة” التابع لحكومة الدبيبة، أن حصار المنشآت النفطية حرم الحكومة أيضا من الأموال اللازمة للإصلاحات.
التحقيق مستمر
يشار إلى أن مكتب النائب العام كان أوضح في بيان نشر اليوم الاثنين على حسابه في فيسبوك، أنه تقرر حبس 8 مسؤولين، بينهم عميد بلدية درنة عبد المنعم الغيثي، احتياطيا “لانحرافه عن موجبات ولاية إدارة الأموال المخصصة لإعادة إعمار المدينة وتنميتها”.
كما طال التوقيف كلا من رئيس هيئة الموارد المائية السابق وخلفه ومدير إدارة السدود وسلفه ورئيس قسم السدود بالمنطقة الشرقية ورئيس مكتب الموارد المائية في درنة احتياطيا.
فيما كان السدان الليبيان على طول وادي درنة، جزءا من خطط الزعيم الليبي الراحل، القذافي، لتوسيع نطاق الاقتصاد الليبي بعد سنوات من وصوله إلى السلطة.
وبنيا عام 1978 عن طريق شركة تابعة ليوغسلافيا، الدولة الأوروبية السابقة في غرب البلقان والتي تفككت لمجموعة دول حاليا.
يذكر أن ليبيا غرقت في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، وانقسمت بين حكومتين متنافستين، الأولى تتخذ من طرابلس في الغرب مقرًا ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، وأخرى في شرق البلاد الذي ضربته العاصفة دانيال، يرأسها حمّاد.