بينما تواصل فرق الإنقاذ أعمالها في انتشال جثث ضحايا درنة، طفا على السطح صراع بين المعسكر السياسي في الغرب والشرق الليبي على كعكة إعادة إعمار المدينة، وسط مخاوف من أن تذهب الأموال المرصودة إلى جيوب المسؤولين.
فقد ظهر سباق محموم بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس والحكومة المدعومة من البرلمان في بنغازي على قيادة وإدارة مشاريع إعادة إعمار المدينة المنكوبة.
كما برز تنافس على الدعم الدولي، حيث أكد كل طرف شرعيته وأحقيته بالإشراف على إعادة البناء في المناطق المنكوبة.
الشرق أم الغرب؟.. من الأحق؟
فقد استبقت حكومة الشرق انتهاء أعمال فرق الإنقاذ في استخراج الجثث المدفونة تحت الأنقاض، معلنة تنظيم مؤتمر لإعادة الإعمار في الـ10 من أكتوبر المقبل بمدينة درنة. ودعا رئيس الحكومة أسامة حماد، المجتمع الدولي للمشاركة في فعاليات هذا المؤتمر لتقديم “التصورات والرؤى الحديثة والسريعة لإعادة إعمار المدينة والمناطق المتضررة، بما في ذلك إعادة بناء الطرق والسدود التي تحمي المدن من أي كوارث طبيعية”.
وسارعت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، بتقديم طلب رسمي إلى البنك الدولي، من أجل المساعدة في توفير الأموال اللازمة لإعادة إعمار درنة، وتقديم يد العون في مجالات أخرى، منها تقييم سريع للأضرار الناجمة عن الفيضانات وإنشاء برامج للتحويلات النقدية السريعة والطارئة للمتضررين بالمناطق المنكوبة.
ميزانيات بمليارات الدولارات
ولم تقف الأمور عند هذا الحد، فبينما صوّت البرلمان على إقرار ميزانية طوارئ بقيمة 10 مليارات دينار ليبي لمعالجة آثار الفيضانات في المناطق المتضررة، أعلن الدبيبة تخصيص مبلغ ملياري دينار لصالح صندوق إعمار مدينتي بنغازي ودرنة، الذي سيتولى الإشراف على برنامج إعادة إعمار البلديات المنكوبة جراء العاصفة.
وفي تعليقه على تحرّك كل حكومة بمعزل عن الأخرى عند التعاطي مع كارثة الفيضانات، رأى المحلل الاقتصادي الليبي أسامة الجارد في تصريح لـ”العربية.نت”، أن هذا التنافس لن يكون في صالح مدينة درنة وفي صالح ضحايا الفيضانات، مشددا على أنه يعيق تقدّم إنجاز مشاريع إعادة الإعمار.
وتوقع الجارد أن يتعامل المجتمع الدولي مع حكومة عبد الحميد الدبيبة في ملف إعادة إعمار المناطق المنكوبة باعتبارها الحكومة المعترف بها أمميا، عن طريق وضع آلية لصرف الأموال والمخصصات لضمان الشفافية إما عن طريق تعيين مراقب دولي أو تشكيل لجنة مشتركة من البرلمان وديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية والمصرف المركزي، من أجل متابعة تنفيذ المشاريع ومراقبة صرف الأموال.
من جانبه، رأى المحلل الاقتصادي والمالي سليمان الشحومي، أن إعادة إعمار درنة ومدن وقرى الجبل الأخضر، فتحت شهية الكثيرين، حيث خصّص البرلمان الأموال وتعهد بأن يشرف على الإنفاق، بينما تحدّث رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي عن اتفاق مع الدبيبة، على أن إعادة الإعمار ستكون عبر مؤسسات الدولة. وتابع في بيان على صفحته بموقع “فيسبوك”: “إنه لعار أن يتحدث المسؤولون في هذه الدولة الفاشلة والمنهارة والتي تطفح في الفساد وتعج بالفاسدين عن مشروع وطني لإعادة الإعمار”.
كما اعتبر أن إعادة الإعمار في حاجة لوجود “مجلس إعمار ليبيا” من مستقلين وخبراء وبمشاركة مؤسسات دولية لديها الخبرة والقدرة العالمية للإدارة والإشراف على مثل هذا البرنامج القومي، يعمل بشفافية مطلقة وبرقابة مجتمعية واسعة من أبناء ليبيا ومناطقها المستهدفة بإعادة الإعمار.
انعدام الثقة
أما الليبيون فقد انعدمت لديهم الثقة في أي سلطة بإقصاء مؤسسات الدولة من ملف إعادة الإعمار، وبتسليم الملف لشركات دولية لضمان ذهاب المخصصات الضخمة إلى هدفها الذي رصدت له.
وتعليقا على ذلك، رأى رئيس حزب التجديد والمرشح الرئاسي سليمان البيوضي، أن هذا الصراع والانقسام يعكس حاجة البلاد إلى تشكيل حكومة وحدة تدير البلاد وتعيد بناءها من جديد، مشيرا إلى أنه لا يمكن الوثوق بحكومة الدبيبة، خصوصا أن تقرير ديوان المحاسبة عام 2021، أظهر أن هذه الحكومة قامت بمخالفات إدارية ومالية متعلّقة بسدّي درنة.
وبخصوص تحرّكات حكومة حماد في بنغازي وتعاطيها مع هذه الأزمة، قال البيوضي في تصريح لـ”العربية.نت”، إنها لو نجحت في استقطاب شركات عالمية كبرى لإعادة إعمار درنة سيكون مرحبا بها.
في حين عبّر المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي، عن قلقه من غياب التنسيق بين سلطات غرب البلاد وشرقها، ودعا إلى ضرورة الاجتماع من أجل إجراء تقييم مشترك لحاجيات الاستجابة العاجلة وإعادة البناء وإلى العمل يدا بيد من أجل تجاوز آثار المأساة.
3868 قتيلاً
يذكر أن ليبيا غرقت في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، وانقسمت بين حكومتين متنافستين، الأولى تتخذ من طرابلس في الغرب مقرًا، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، وأخرى في شرق البلاد الذي ضربته العاصفة دانيال، يرأسها حمّاد.
أما الإعصار دانيال فكان وقعه كارثيا بشكل خاص على مدينة درنة التي يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة والمطلة على البحر المتوسط، إذ أدى إلى انهيار سدين والتسبب بفيضانات جرفت كل شيء في طريقها، ما فاقم أعداد الضحايا حيث جرى توثيق 3868 قتيلا حتى الآن.
كما تسبب في نزوح أكثر من 43 ألف شخص، بحسب آخر إحصاء للمنظمة الدولية للهجرة.