يوسف غانم
صدر كتاب جديد للمحامية فوزية سالم الصباح تحت عنوان «وراء كل قضية حكاية»، وهو يعكس عمق التجربة القانونية الطويلة والمتنوعة في كل القضايا التي خاضتها طوال عملها في المحاكم، وبما يؤكد استثمار ما لديها من خبرات وتجارب في الجانب القانوني التوعوي.
والكتاب عبارة عن مجموعة قصص متنوعة من المحاكم كجرائم القتل والمخدرات والأخطاء الطبية والمشاكل الأسرية والخدم وغيرها، تمت كتابتها بأسلوب مبسط ومختصر بهدف التوعية وزيادة الثقافة القانونية، لاسيما أن الجريمة ظاهرة اجتماعية طبيعية في كل المجتمعات، فلا يخلو مجتمع منها سواء كان متطورا أو متخلفا، لكن معيارها يختلف حسب المستوى الثقافي والتعليمي والمعيشي في المجتمع والتزامه الديني والأخلاقي.
ومن المفارقات في بعض هذه القصص أن أولى محطاتها سعادة وفي نهاية محطاتها حزن وخوف وندم، حيث تعرضها المؤلفة بأسلوب شيق ومتسلسل من البداية وانتهاء بحكم المحاكم على مرتكبي هذه الجرائم على اختلاف أنواعها.
ويتميز أسلوب الكتاب بالبساطة والوضوح لأنه يخاطب القارئ العادي، مما يجعل تلك القصص قريبة من مشاعره حتى يتخذ منها العظة والردع ويستفيد من أخطاء الآخرين الذين قادهم حظهم العاثر أو سوء تفكيرهم لارتكاب جرائم ما كان يجب أن يرتكبوها فيما إذا حكموا عقولهم.
إن بعض المجرمين الذين ارتكبوا جرائمهم باحترافية اعتقدوا قبل تنفيذها أنهم في غاية الذكاء وأنه من الصعوبة اكتشافها، لكن لو أنهم كانوا يعلمون عاقبة أفعالهم وأنهم مهما فكروا وخططوا سيتركون دليلا خلفهم وسيتم اكتشاف أمرهم لما ارتكبوا من الجرائم.
تقول المحامية فوزية الصباح في مقدمة الكتاب إن الجرائم تطورت في الآونة الأخيرة مع التطور العلمي والتكنولوجي، فلم يعد اللص بحاجة إلى القفز داخل المنازل ليلا وسرقة ما تقع عليه يداه، بل يكفيه الجلوس أمام جهاز الكمبيوتر والاستيلاء على كل ما يدخره الضحية من مال بلمح البصر دون أي عناء.. فكلما تطورت الجريمة على الدولة أن تواكب هذا التطور السريع لمواجهتها.
وتوضح صاحبة الكتاب أنه لا يوجد سلوك إجرامي او منحرف بالوراثة، فلا يولد الإنسان مجرما بالفطرة بل هناك ظواهر وتصرفات تجعل منه سلوكا إجراميا وأهمها البيئة المحيطة به المتمثلة في الأسرة المفككة وأصدقاء السوء ووسائل الإعلام المنحرفة وقلة التوجيه التربوي في المدرسة.
كما تشير الكاتبة إلى أن الجريمة ليست مقتصرة على الأفراد، فأحيانا ترتكبها دول ديكتاتورية من خلال عمليات اغتيالات وتصفيات سرية وعلنية، وما يقوم به الكيان الصهيوني المحتل من جرائم في فلسطين وسرقة الأراضي وقتل المدنيين تحت ذرائع مختلفة.
تبدأ أولى محطاتنا مع الكتاب بالذي «قتلها من أجل بضعة دنانير»، ثم «العاشق القاتل»، و«الزوج المسحور»، إلى «لم يعترف بابنه لأنه لا يشبهه»، و«الكلب المفترس شيبرد عض الجار»، وبعده «الزوج البخيل»، والتي «هربت في ليلة زفافها من زوجها الكفيف»، و«الطبيب نسي الإبرة المكسورة داخل سن المريض»، فـ «جرعة زائدة»، ولماذا «ضرب السائق مخدومه بساطور وسرقه»، بعدها «خطأ طبي تسبب بشلل المولودة»، وكيف «صورها لإرغامها على الزواج منه»، و«سنقور وسنقورة»، إلى «صاحب مقهى يبث حفلات الأعراس»، وصولا إلى «الشايب والجميلة»، بعدها «الطبيب المزيف، و«جراح ينسى الفوطة في بطن المريض»، و«مدمن الطاولة الخضراء»، إلى «الجار السكران»، والذي «ضرب زوجته الثالثة لأنها لم تحمل»، لـ «الزوجة المسترجلة»، و«أمي دمرت حياتي»، وبعدها «الماكرة»، مع المدمن التائب، وكذلك الذي «اعتدى على الخادمة وأمه أبلغت عنه»، لنصل إلى «المؤبد لابن إعلامي معروف»، والختام مع «خلاطة الأسمنت حطمت عظامه وفرمته».
إن قصص الجرائم أمام المحاكم لا تنتهي، لكن يجب الاستفادة من أخطاء الآخرين حتى لا تقع في أخطائهم، وهذا ما سعت إلى التوجيه إليه المحامية فوزية الصباح من خلال التنويع في تلك القصص التي جاءت نهاياتها تنبيها وتوعية للناس بما قد يصلون إليه بسببها، إضافة إلى لفت نظر الأسرة والجهات المعنية بأهمية تحمل المسؤولية في التنشئة المجتمعية والأسرية السليمة للحفاظ على بنية المجتمع وسلامة أفراده.