يوسف غانم
تعزيزاً لنشر الثقافة السيبرانية بين جميع أفراد المجتمع، وتأكيدا لأهمية تنظيم السلوك الرقمي، ونتيجة ارتفاع معدلات الإدمان الرقمي، كان حرص عضو الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب د.ابتسام عباس النومس على إصدار كتابها الجديد «برنامج استعادة» بوحدتيه الرابعة حول الثقافة السيبرانية، والوحدة السادسة «الهوية الرقمية، كبرنامج علاجي لإعادة تأهيل الأحداث المدمنين والمعرضين للإدمان»، حيث يمكن للعديد من الجهات الحكومية المعنية بالأحداث وبالجوانب التربوية عموما الاستفادة من البرنامج وتطبيقه بواسطة الذكاء الاصطناعي، وكذلك التعاون مع العديد من الجامعات المختصة بهذا المجال لمتابعة الأبحاث والدراسات العلمية وفق أسس بحثية ومنهجية.
وقالت د.النومس في مقدمة الكتاب: في زمن تتقاطع فيه التحديات النفسية مع الثورة الرقمية المتسارعة، تتجلى أمام المجتمعات معضلة مركبة تهدد جودة الحياة والاتزان النفسي للفرد، وهي ظاهرة الإدمان بأشكالها المختلفة: «السلوكي» مثل الألعاب والتسوق القهري، و«الكيميائي» كالمواد المخدرة، و«الرقمي» كالهواتف الذكية ووسائل التواصل والألعاب الإلكترونية.
وأشارت د.النومس إلى أنه أمام هذا الواقع يأتي هذا البرنامج العلاجي السلوكي المعرفي كاستجابة مهنية شاملة، تسعى إلى تمكين الأفراد من فهم دوافع الإدمان، وتعديل أنماط التفكير والسلوك المرتبطة به، وإعادة الاندماج في الحياة بطريقة متزنة ومسؤولة.
ويرتكز البرنامج على جملة من المفاهيم العلاجية والسلوكية الأساسية التي تشكل البنية النظرية والتطبيقية له، وتعد هذه المفاهيم نواة التدخل العلاجي المستند إلى البراهين العلمية والممارسة الإكلينيكية المعاصرة.
وتوضح المؤلفة أنه في ظل تسارع التغيرات التكنولوجية والمجتمعية باتت ظاهرة الإدمان بمختلف أشكالها، سواء السلوكية كإدمان المقامرة والألعاب، أو الكيميائية كإدمان المواد المخدرة والكحول، أو الرقمية كالإفراط في استخدام الإنترنت ووسائل التواصل، حيث تمثل تحديا نفسيا واجتماعيا وصحيا يتطلب تدخلا متخصصا ومتكاملا. فالإدمان لم يعد مجرد «عادة سيئة»، بل أصبح يفهم اليوم على أنه اضطراب معقد ناتج عن تفاعل عوامل بيولوجية ونفسية وبيئية، ويؤثر في الإدراك والقرار والسلوك.
وتبين د.النومس أنه انطلاقا من هذا الفهم جاء هذا البرنامج السلوكي المعرفي العلاجي بهدف تمكين المستفيدين من فهم آليات الإدمان، وتطوير مهارات التفكير النقدي، واستعادة التوازن النفسي والسلوكي، ضمن بيئة علاجية داعمة تراعي احتياجات الفرد وهويته الرقمية والاجتماعية.
مفاهيم البرنامج
هناك مفاهيم أساسية لبرنامج استعادة كبرنامج نفسي سلوكي متكامل مصمم خصيصا لإعادة تأهيل الحداث من عمر (12 إلى 18 سنة)، المعرضين للإدمان أو المدمنين على أنماط متعددة من الإدمان، كما لا يكتفي البرنامج بمجرد الامتناع المؤقت عن السلوك الضار، بل يسعى إلى تحقيق تحول معرفي وسلوكي عميق ومستدام من خلال تفكيك المنظومة الفكرية الداعمة للسلوك الإدماني، وإعادة بناء الهوية الذاتية والرقمية للحدث، وكذلك تدريبه على أدوات تنظيم الانفعالات ومهارات الحياة اليومية، وتثقيفه رقميا وأمنيا ليصبح مستخدما واعيا ومسؤولا.
كما يعتمد البرنامج على تقنيات العلاج المعرفي السلوكي، وينفذ على مراحل متدرجة تتنقل بالحالة من التقييم إلى التعديل، إلى التمكين، ثم إلى التعافي المستدام، ويدمج أيضا بعدا ثقافيا محليا يعكس رؤية الكويت 2035 في بناء رأسمال بشري رقمي، مرن وسليم نفسيا.
أما مفهوم «الاستعادة» فيشير إلى عملية علاجية ممنهجة تهدف إلى تمكين الحدث من استرجاع سيطرته على ذاته، وتحريره من قبضة السلوكيات الإدمانية الرقمية أو الكيميائية أو السلوكية، التي غالبا ما تفقده قدرته على التفكير الواعي، والانضباط والتواصل الصحي مع العالم الواقعي.
أما بالنسبة لمفهوم «الإدمان» فهو اضطراب نفسي وسلوكي يتمثل في الاعتماد القهري والمستمر على مادة أو سلوك رغم الأضرار النفسية والاجتماعية الناتجة عنه، مع فقدان القدرة على التوقف أو التحكم دون تدخل خارجي، ويعرف أيضا بأنه حالة نفسية وسلوكية مزمنة تتمثل في استخدام قهري لمادة أو انخراط في سلوك، رغم الأضرار الجسيمة الناتجة عنه، مع فقدان القدرة على التوقف أو التحكم دون دعم خارجي.
التقييم والتشخيص
وتشير المؤلفة إلى التقييم كنقطة انطلاق في البرنامج، وهو عملية جمع وتحليل منهجي للمعلومات حول الحالة النفسية والسلوكية والاجتماعية للفرد، ويتضمن أدوات محددة، كما يشمل التاريخ الشخصي والعائلي، ودرجة الاعتماد الجسدي أو النفسي، وسلوكيات الإنكار أو التبرير، والتأثير على العلاقات الوظيفية والدراسة.