من أرض القصيم، حيث نشأ الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان في بلدة الشماسية عام 1935، بدأت رحلة عالمٍ ربّانيّ جمع بين أصالة الفقه ونور الاعتدال، حتى تكللت مسيرته اليوم بتعيينه «مفتياً عاماً للمملكة العربية السعودية» ورئيساً لهيئة كبار العلماء، ورئيساً عاماً للبحوث العلمية والإفتاء، متوّجاً بذلك مسيرة تمتد لأكثر من سبعة عقود من العطاء العلمي والإفتائي المتزن.
خطوات في درب العلم
في بيئة يسودها الإيمان والبساطة، خطا الشيخ الفوزان أولى خطواته في درب العلم بعد أن فقد والده صغيراً، فوجد في القرآن الكريم أنيساً وفي حلقات المساجد منطلقاً. فحفظ كتاب الله على يد إمام مسجده في الشماسية، ثم واصل تعليمه في المدارس الحكومية، حتى التحق بالمعهد العلمي ببريدة عام 1373هـ كأحد أوائل طلابه.
تخرّج في كلية الشريعة بالرياض عام 1381هـ، ثم حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، متناولاً في أبحاثه قضايا دقيقة في الفقه الإسلامي كالمواريث وأحكام الأطعمة، ليثبت مبكراً قدرته على الجمع بين الدقة الأكاديمية و فقه الواقع.
مع كبار العلماء
تكوّنت شخصية الشيخ الفوزان العلمية على يد نخبة من أعلام الأمة في القرن الماضي، فقد تتلمذ على الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عبدالله بن حميد، والشيخ عبدالرزاق عفيفي.
ومن منابرهم نهل علماً ومنهجاً، حتى غدا هو نفسه معلماً لجيل من الدعاة والعلماء الذين تخرّجوا على يديه في الجامعات والمحافل العلمية، ناقلين إرثه في التوازن والوسطية.
ثقة الدولة وعلوّ المنزلة
تولّى الشيخ الفوزان خلال مسيرته عدداً من المناصب التي عكست مكانته في الساحة الدينية والعلمية، فكان عضواً في «هيئة كبار العلماء»، وعضواً في «اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء» منذ عام 1992، ومديراً لـ«المعهد العالي للقضاء»، وأستاذاً في «كلية الشريعة» و«كلية أصول الدين» بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إلى جانب إمامته وخطابته في جامع الأمير متعب بن عبدالعزيز بالرياض.
وفي كل هذه المناصب، ظل نموذجاً للعالم الذي يجمع بين العمق الفقهي والالتزام المؤسسي، وبين صرامة الدليل وسعة الصدر.
مؤلفات راسخة وأثر باقٍ
لم يكن الشيخ الفوزان خطيباً أو أستاذاً فحسب، بل كان أحد أبرز المؤلفين في الفقه والعقيدة في العصر الحديث. من مؤلفاته؛ «الملخص الفقهي» الذي تبنّى أسلوباً ميسّراً لطلاب العلم، و«عقيدة التوحيد وبيان ما يضادها»، و«إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد»، و«شرح العقيدة الواسطية»، و«شرح مسائل الجاهلية».
كما عُرف بمشاركاته المستمرة في برنامج «نور على الدرب» بإذاعة القرآن الكريم، ومثّل صوته مرجعاً للملايين من المستفتين، جامعاً بين الحكمة في الفتوى والوضوح في البيان.
العالِم الذي جمع العلم بالحكمة
يمثّل الشيخ الفوزان اليوم نموذجاً للعالِم الذي حمل الرسالة الشرعية بأمانة، وحافظ على منهج السلف مع انفتاح على قضايا العصر. فجمع بين الوقار والعلم، وبين الحزم والاعتدال، ليكون مرجعاً دينياً موثوقاً ليس في المملكة فحسب، بل في العالم الإسلامي بأسره.
وبتولّيه منصب «مفتي المملكة»، تتجدد مسيرة من العلم والعمل، يؤكد من خلالها أن عطاء العلماء الحقيقيين ممتد ليُورّثوا للأمة مع العلم نوراً باقياً إلى الأبد.
أخبار ذات صلة