في أتيليه جدة للفنون، يُطل الفنان فهد علي خليف الغامدي بملامح تجربته الحادية والعشرين في معرضه «الظل الثالث»، الذي جمع خمسًا وثلاثين لوحة تنطق بفلسفة اللون ودهشة الظلال. يقف خليف أمام أعماله كمن يبحر في عالمٍ لا يرسم الضوء بل يفكر فيه، لا يطارد الشكل بل يتأمل المعنى الكامن خلفه. في هذا المعرض تتقاطع مسيرته الأكاديمية مع تجربته الإبداعية ليصنع من الفن درسًا في الرؤية والتأمل لا في النقل والمحاكاة.
ولد فهد خليف في جبال الباحة وترعرع بين طبيعتها البكر، فحمل في روحه ملامح التراث الجنوبي وألوانه الدافئة التي ظلت ترافقه في رحلته الفنية، فانعكس أصله في لوحاته التي تمزج الحنين بالحداثة وتستدعي ذاكرة المكان في تفاصيلها الدقيقة. حصل على ماجستير في التربية الفنية وشغل لسنوات منصب رئيس قسم التربية الفنية بمكتب التعليم بشمال جدة، فكانت تجربته في تدريس الفنون جسراً بين العلم والخيال، إذ كوّنت لديه حساً نقدياً يجعل اللون فكرة تُقرأ قبل أن تُرسم، والشكل بنية فكرية قبل أن يكون تكويناً بصرياً.
يعد فهد خليف من أبرز التشكيليين السعوديين وأكثرهم غزارة في الإنتاج، تجاوز أقرانه كماً ونوعاً، وأسس لنهج مختلف يجمع بين الوفرة والعمق وبين البحث الجمالي والفلسفة البصرية. لوحاته لا تتعامل مع اللون كزينة بل كطاقة فكرية، يدرّبها على النطق بالحياة لتتحول إلى موسيقى داخلية تهمس للعين وتخاطب القلب. في فلسفته لا تُدرك الحقيقة وجهًا لوجه بل عبر الظلال، فكل ظل يحمل معنى، ظل الشكل حين ينتصب الجمال هندسةً ونظاماً خفياً، وظل اللون حين يبعث الحياة في مساحة السكون، وظل المعنى حين يلتقي الإحساس بالبصيرة في لحظة وعي نادرة.
حملت أعماله توقيع المملكة إلى مدن العالم من البرتغال وإسبانيا ولبنان إلى ألمانيا وروسيا وفرنسا، ومثلت الفن السعودي في أبرز المحافل الدولية، فيما تزين لوحاته القاعات الرسمية ومجالس الدولة الكبرى من مجلس ولي العهد إلى وزارة الاقتصاد ووزارة الخارجية ومطار الملك عبدالعزيز وملعب الإنماء.
بين الضوء والظل يمضي فهد خليف في رحلة وعيه الفني مؤمناً أن الجمال حين يُقرأ بعين المعلم يُرسم بوعي الفيلسوف، وأن الفن ليس صورة لما هو كائن بل ظل لما يمكن أن يكون.
أخبار ذات صلة