أحيت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو” -الأسبوع الماضي- الذكرى الـ300 لميلاد الشاعر والمفكر التركماني مختوم قولي فراغي.
وأقيمت الفعالية في مقر الإيسيسكو بالعاصمة المغربية الرباط، بالشراكة مع المنظمة الدولية للثقافة التركية (تركسوي) ووزارة خارجية تركمانستان.
رحلة شاعر تركمانستان
تخلل الاحتفالية عرض فيلم وثائقي بعنوان “رحلة مختوم قولي فراغي”، استعرض السيرة الذاتية للشاعر والمفكر التركماني.
وفي كلمته، قال سلطان باي رايف، الأمين العام لمنظمة تركسوي، إن هذا العام “شهد تنظيم عدد كبير من الاحتفالات والتظاهرات الفنية والثقافية في مناطق مختلفة، إحياءً للذكرى الـ300 لميلاد مختوم قولي فراغي”.
وأشار رايف إلى أن هذه الفعالية بمقر الإيسيسكو تُدشن تعاونًا وثيقًا بين المؤسستين، مما سيسهم في تقوية العلاقات الثنائية. كما نوه بالدور البارز للسلطات التركمانية في تحويل ذكرى مختوم قولي فراغي إلى “عام للاحتفال بالفلسفة والشعر”.
وقالت مهري باشيموفا، نائبة وزير خارجية تركمانستان: “نحن اليوم نحتفي في قلب الثقافة الإسلامية بشاعر تركماني كبير، ومساهماته الغنية في الموروث الثقافي الشعري العالمي”.
وأوضحت أن مؤلفات مختوم قولي فراغي مسجلة ضمن تراث اليونسكو العالمي، وأن عام 2024 شهد إقامة نحو 170 فعالية دولية لتكريمه. كما أكدت أن حماية الموروث الثقافي المحلي باتت أولوية، مشيرة إلى إعداد موسوعة لمختوم قولي فراغي لتعزيز التعاون الأدبي والمحافظة على الإرث الثقافي والروحاني.
دور الإيسيسكو
بدوره، قال مدير الإيسيسكو سالم بن محمد المالك، في تصريح للأناضول، إن “الاحتفاء بهذا الشاعر العالمي يجسد التعاون بين دول العالم الإسلامي”.
وأكد المالك استعداد المنظمة للعمل المشترك مع تركمانستان لاستكشاف تاريخها وتراثها الثقافي، الذي أسهم في “مجد الحضارة الإسلامية الزاخرة”. وأعرب عن تفاؤله بمستقبل التعاون بين الإيسيسكو وتركمانستان.
حياة مختوم قولي فراغي
وُلد مختوم قولي فراغي عام 1733 في قرية حاجي قوشان من ضواحي مدينة كنبد كافوس بمحافظة كلستان الواقعة شمالي إيران قرب الحدود التركمانية، وقد نشأ وترعرع في كنف والده الشاعر دولت محمد آزادي.
وظهرت عليه منذ نعومة أظفاره رغبة شديدة في تعلم العلوم العقلية والنقلية، وذلك بعد أن تعلم الكتابة والقراءة على يد أبيه، ثم التحق بمدرسة القرية التابعة لـ”نياز صالح” أحد أبرز العرفاء في عصره، فتعلم فيها اللغتين الفارسية والعربية.
تعرض في حياته لانتكاسات عدة، لعل أبرزها فشله من الزواج من منقلي بنت خاله، التي أحبها وبقي يستذكرها في أشعاره، إلى جانب مقتل أخيه الأكبر عبد الله في أفغانستان، وكذلك وفاة والده وطفليه بابك وإبراهيم، حيث انعكس شوقه إليهم في نتاجه الأدبي.
وبعد حياة استمرت 57 عاما طاف خلالها في عديد من الأقطار المجاورة، بدءا من بخارى في أوزبكستان فكازاخستان ثم طاجيكستان وأذربيجان وأفغانستان وصولا إلى شمالي الهند، تُوفي مختوم قولي عام 1807 قرب نبع “عبا ساري” في سفوح جبال “كوه سونغي” على الحدود المشتركة بين إيران وتركمانستان، ودُفن بجوار ضريح والده في مدينة “قراوة تبه” شمالي إيران.
وسجّلت إيران عام 2007 ضريح هذا الشاعر، وفي عام 2014 سجلت ديوانه الشعري الذي يحتوي على أكثر من 10 آلاف بيت باللغة التركمانية، في قائمة آثارها الوطنية.
نماذج شعرية
لم تأتِ أسفار مختوم قولي اعتباطية، بل كان يطوف البلدان بحثا عن ضالته التي قال فيها:
إن الذي يبعد عن عشيرته.. سيطوي الأرض بحثا عن دياره
وإن الذي يضل الطريق.. سيبذل جهدا للعثور عليه
ورغم ذلك، فإن نظرته العرفانية للحياة تجعله في حيرة من أمر الناس الذين يفنون أعمارهم في جمع الأموال والثروة، فيقول فيهم:
الأجرام السماوية تدور.. والناس يهيمون على الأرض
يا له من عالم هذا.. كل من يفتح عينه فيه يسارع إلى جمع الأموال والثروة
ثم يعقد مقارنة بين أصناف البشر فلا يستوون:
أولئك يعتمرون تيجانا ذهبية.. وأولئك يستجدون فتات خبز لسد جوعهم
وأولئك يفترشون الأرض.. وأولئك يبحثون عن سجاد من حرير
فيحاول أن يذكّر الإنسان بحجمه الحقيقي ويحذره من مغبة الاغترار بالحياة الفانية:
أيها الإنسان! منذ أن وطأت قدماك دار الدنيا الفانية.. ماذا حل بك منها سوى الذل والهوان؟
وطالما فتحت فمك وحركت لسانك.. حتى لدغت عديدا من الناس وجرحت مشاعرهم