عرضت شاشات السينما حول العالم في عام 2022 فيلم خيال علمي ورعب منخفض الميزانية بعنوان “ميغان” (M3GAN)، وحقق الفيلم إيرادات بلغت أضعاف ميزانيته، والأهم من ذلك الإشادات التي حصل عليها من المتفرجين والنقاد على حد سواء، مما جعله مرشحًا بقوة لجزء ثانٍ يعيد نجاح الجزء الأول.
صدر فيلم “ميغان 2” (M3GAN 2.0) في عام 2025 ليستكمل قصة الدمية المخيفة، التي تختلف عن كل الدمى المرعبة الأخرى التي قدمتها الأفلام السينمائية.
ميغان دمية من القرن الحادي والعشرين
تُعد الأفلام المبنية على قصص دمى شريرة نوعا فرعيا من أفلام الرعب النفسي، وهي تأخذ شيئا بريئا ومألوفا، غالبا مخصصا للأطفال أي الدمية، وتحوله إلى مصدر تهديد ورعب للجميع. وتعددت الأفلام التي قدمت هذه الحبكة، ومن أشهرها سلسلة “لعبة أطفال” (Child’s Play) المعروفة بشخصية الدمية تشاكي، المسكونة بروح قاتل محترف، و”آنابيل” (Annabelle)، الدمية المسكونة بروح شريرة تجلب الكوارث لكل من يمتلكها.
تحوّل هذه الأفلام لعبة أطفال بريئة إلى شيء مرعب، مما يخلق توترًا نفسيًا مضاعفًا. كذلك، فإن الشخصيات الفيلمية عادةً ما ترفض تصديق أن هناك دمية قاتلة، الأمر الذي يجعلها ضحية مثالية، ويزيد من انغماس المتفرج في التوتر والرعب. كما تفتح هذه الأفلام المجال واسعًا للكثير من التأويلات النفسية، مثل رمزية الدمية إلى طفولة تعيسة، أو ذكريات قديمة، وغيرها.
يقدّم “ميغان” في جزئيه الأول والثاني دمية مشابهة، لكنها تنتمي إلى القرن الحادي والعشرين، وعلى وجه التحديد إلى العقد الحالي. فهي تبدو في البداية دمية لطيفة، تساعد الطفلة كيدي (فيوليت ماكجرو) على التأقلم مع الوفاة المفاجئة لوالديها، وإقامتها مع خالتها جيما (أليسون ويليامز). الدمية إلكترونية حديثة للغاية، تعمل بالذكاء الاصطناعي الذي يساعدها على تفهّم احتياجات الطفلة وتلبيتها بشكل عاطفي حساس، ربما أكثر من البشر أنفسهم.
تعلم المتفرجون من خلال سنوات من الخبرة السينمائية أن دمى مثل ميغان ستنقلب في أي وقت إلى أعداء صريحين، وبالفعل، تقوم ميغان في الجزء الأول بعدة جرائم قتل، كان الهدف منها حماية كيدي، حتى هاجمت جيما، فاضطرت كيدي إلى تدمير ميغان بنفسها.
يبدأ الجزء الثاني بكيدي وهي أكبر عمرًا، على أعتاب المراهقة، وتعيش مع جيما في منزل تحركه التكنولوجيا. على الجانب الآخر، أصبحت جيما مناهضة لتعريض الأطفال واليافعين للتكنولوجيا بشكل مفرط، وتدعو إلى عالم تسوده قيم أكثر تقليدية، خصوصًا فيما يتعلق بتربية الأطفال. غير أن هذا العالم المستقر الذي بنته جيما مع كيدي يختل توازنه عندما تظهر آلية تُدعى “إميليا” (إيفانا سكنو)، صنعتها الولايات المتحدة كسلاح حربي باستخدام تكنولوجيا ميغان، لكن الآلية تتمرد على القواعد، كما كان متوقعًا، الأمر الذي يضع الجميع في مأزق.
نسخة حديثة من “المدمر”
بعدما كانت ميغان في الجزء الأول رمزًا للعنف والذكاء الاصطناعي الشرير، تصبح في الجزء الثاني الملاذ والحل، ومن هنا تبدأ مغامرة من نوع مختلف، الأمر الذي يُحيل إلى ثنائية أفلام قُدّمت في منتصف القرن العشرين ونجحت في تقديم حبكة مشابهة، لتصبح أيقونة من أيقونات أفلام الأكشن والخيال العلمي، وهي سلسلة “المدمر” (The Terminator) التي عُرض أول أفلامها عام 1984.
في الفيلم الأول من سلسلة “المدمر”، نتعرّف على الآلي المدمر (أرنولد شوارزنيجر) القادم من المستقبل لتنفيذ عملية قتل ضد طفل سيكبر لاحقًا ليصبح أحد القادة المناهضين للذكاء الاصطناعي. وينتهي الجزء الأول بهزيمة هذا الآلي، بينما يبدأ الجزء الثاني بآلي آخر في مهمة مشابهة، لكن يحمي الطفل نسخة أخرى من المدمر (أرنولد شوارزنيجر)، تقوم بدور المدافع الطيب ضد الآلي الأحدث والأشرس.
نقاط التشابه بين السلسلتين لا يمكن تجاهلها، خصوصا وأنها تمتد حتى مشهد النهاية تقريبًا، والأهم هو الفكرة الأساسية وراء الجزء الثاني على وجه الخصوص.
الجزآن الأولان من “المدمر” و”ميغان” مدفوعان بأيديولوجيا مضادة للذكاء الاصطناعي؛ ففي حالة “المدمر”، يُجسّد الذكاء الاصطناعي العنف والدمار ومحاولة محو الحضارة البشرية، بينما في “ميغان”، يمثل الذكاء الاصطناعي بديلًا عن الأسرة والتربية التقليدية. ليأتي الجزء الثاني في كلتا السلسلتين ويتصالح، بدرجات متفاوتة، مع هذا الذكاء، ويطرح احتمالية التعايش والوصول إلى حلول وسط بين البشر والآلات؛ فيستفيد الأول من الثاني، مع الحفاظ على هويته الإنسانية.
لم يقدّم “ميغان” في جزئيه أي طرح جديد في موضوع الذكاء الاصطناعي، بل اكتفى بتقديم الفكرتين المركزيتين في تناول العلاقة بين البشر والذكاء الاصطناعي. لكن ذلك لم ينتقص من جودة الجزء الأول، الذي أدهش المتفرجين والنقاد بذكائه في مزج خفة الظل والرعب. فالدمية التي كانت بحجم طفلة في الجزء الأول وذات ملامح بريئة، قدّمت مشاهد قتل عنيفة بشكل مفاجئ وممتع في الوقت ذاته.
أما الجزء الثاني، فتحوّل من الكوميديا والرعب إلى الأكشن والكوميديا، إذ تقوم ميغان -التي أصبحت الآن بحجم امرأة شابة- بمشاهد تحاكي ما قام به توم كروز في الجزء الأول من سلسلة “المهمة المستحيلة”، وترقص على أنغام موسيقى حديثة، ثم تضحي بحياتها في سبيل إنقاذ البشرية.
فقد الفيلم في جزئه الثاني ميزته الأهم، وتحول إلى نسخة باهتة من نفسه، وإن كانت أكثر صخبًا وألوانًا. لكنه لم يقدم لمتفرجيه ما جذبهم في الجزء الأول، فلم يحقق الإيرادات المتوقعة، ولم يفتح الباب لجزء جديد.