أسامة دياب
أكدت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولجاريك أن العالم يشهد اليوم نحو 130 نزاعا مسلحا مصنفا من قبل اللجنة، وهو رقم غير مسبوق يفوق بكثير ما سجل في السنوات الماضية، مشيرة إلى أن أخطر ما يرافق هذا التصاعد هو تدهور أساليب خوض الحروب وانعكاسها الكارثي على المدنيين.
جاء ذلك في محاضرة ألقتها مساء أول من أمس في معهد سعود الناصر الصباح الديبلوماسي، بحضور نائب وزير الخارجية الشيخ جراح الجابر، وعدد من رؤساء وممثلي البعثات الديبلوماسية والمنظمات الدولية، إلى جانب ممثلين عن الجمعيات الأهلية الكويتية.
وأشارت سبولجاريك إلى أن المدنيين في السودان يعيشون «رعبا لا يصدق»، حيث يتعرضون لهجمات وحشية وعنف جنسي متفش وتدمير متعمد للبنى الأساسية، مضيفة أن المرافق التي كانت مخصصة لإنقاذ الأرواح أصبحت اليوم مسرحا للموت.
وفيما يتعلق بالأوضاع في غزة، قالت إن القطاع تحول إلى أنقاض، وإن العالم شاهد ملايين الأشخاص يجردون من كرامتهم ويعيشون ظروفا لا تطاق، مشددة على أن مستقبل ملايين المدنيين معلق بصمود اتفاق وقف إطلاق النار، الذي لا يجوز السماح بانهياره.
أما في سورية، فلفتت إلى أن عشرات الآلاف ما زالوا يبحثون عن ذويهم المفقودين بعد أكثر من عقد من الحرب، مؤكدة أن العديد من هذه الحالات كان يمكن تفاديها لو تمكنت اللجنة الدولية من الوصول إلى أماكن الاحتجاز خلال فترة النزاع.
وأضافت أنه «من غزة إلى السودان، ومن سورية إلى أوكرانيا، ومن اليمن إلى ميانمار، تترك النزاعات ندوبا عميقة في حياة ملايين البشر، ويجب ألا نقبل بفكرة أن المعاناة الإنسانية نتيجة حتمية للحرب، بل هي فشل في احترام القانون الإنساني الدولي».
وشددت سبولجاريك على أن الامتثال لقواعد الحرب أمر أساسي لإنقاذ الأرواح والحفاظ على البنية التحتية والنسيج الاجتماعي الضروري للسلام، مشيرة إلى أن تجاهل هذه القواعد يضاعف كلفة التعافي بعد النزاعات.
وأشارت إلى أن قضية المفقودين تعد من أكثر القضايا رمزية وإهمالا، فخلال السنوات الخمس الماضية ارتفع عدد المفقودين المسجلين لدى اللجنة وشركائها بنسبة 70%، حيث تجاوز العدد 280 ألف شخص في عام 2024، مؤكدة أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير مع توقعات بارتفاعه في 2025 بسبب تصاعد النزاعات في غزة والسودان وأوكرانيا.
وقالت إن اتفاقيات جنيف تتضمن أحكاما واضحة تمنع الاختفاء القسري وتضمن معرفة مصير المفقودين، مشيدة بدور الكويت الريادي في هذا المجال، سواء من خلال الآلية الثلاثية التي أنشئت بعد حرب الخليج، أو من خلال التشريعات المحلية التي أقرت العام الماضي لتعزيز حقوق ذوي المفقودين.
كما نوهت بدور الكويت المحوري في استصدار قرار مجلس الأمن رقم 2474 الذي يدعو الدول إلى اتخاذ تدابير لمنع اختفاء الأشخاص وتحديد مصيرهم وإعادة رفاتهم، مؤكدة أن هذا الالتزام يعكس عمق التزام الكويت بالقانون الإنساني الدولي.
وأوضحت سبولجاريك أن فرق اللجنة، بالتعاون مع الهلال الأحمر السوداني، تعمل على لم شمل الأسر في مناطق النزاع، مشيرة إلى أن اللجنة تؤدي كذلك دور الوسيط المحايد بين حماس وإسرائيل في إعادة رفات الموتى، مؤكدة أن «لكل عائلة الحق في أن تودع أحباءها بكرامة».
وحذرت من استخدام القانون الدولي الإنساني كأداة سياسية، قائلة «حين يستخدم القانون للتنديد بأعداء الدول بدلا من تطبيقه على حلفائها، يفقد جوهره»، مؤكدة أن قواعد الحرب صممت لتجاوز ازدواجية المعايير وأن «كل حياة بشرية تستحق الحماية على قدم المساواة».
وكشفت سبولجاريك أن اللجنة الدولية، بالتعاون مع ست دول، أطلقت مبادرة عالمية العام الماضي لتجاوز الانقسامات الجيوسياسية وتعزيز الالتزام بقواعد الحرب، مشيرة إلى أن أكثر من 90 دولة انضمت رسميا للمبادرة، من بينها الكويت، فيما شاركت أكثر من 130 دولة في المشاورات القانونية حول سبل منع الانتهاكات.
وأضافت أن الجهود ستتواصل حتى عام 2026 وتتوج باجتماع رفيع المستوى لدعم الإنسانية في الحروب، مؤكدة أن الوضع الراهن يتطلب تحركا عالميا غير مسبوق.
واختتمت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر كلمتها بالتأكيد على أن اتفاقيات جنيف لا تزال صالحة وملزمة كما كانت قبل أكثر من 75 عاما، مضيفة «قد تتغير طبيعة الحرب، لكن المبادئ الإنسانية لا تتغير. علينا احترامها والحفاظ عليها لأنها تحمي إنسانيتنا جميعا».
من جانبه، أكد المستشار عبدالله الخبيزي أن تنظيم مثل هذه الندوات يهدف إلى التصدي للانتهاكات الإنسانية في مناطق النزاع، وتسليط الضوء على معاناة المتضررين وسبل معالجتها من الجانب القانوني، مشيرا إلى أن رئيسة اللجنة الدولية أشادت بالجهود الكويتية في ملف المفقودين، ودعت إلى مواصلة هذا النهج الإنساني الرائد.












