يوسف غانم
هناك الكثير من الفوائد المكتنزة بين طيات الكتب وضمن الجمل والمفردات عموما، فما بالنا ونحن ننتقي فوائد محددة من تفسير القرطبي للقرآن الكريم لننتقي أطيب ثمار المعرفة، وهذا ما حرص عليه د.أحمد بن براك الهيفي في كتابه «1000 فائدة من تفسير القرطبي ـ من سورة الفاتحة إلى سورة الكهف»، والذي جاء بتقديم فضيلة الشيخ د.عبدالعزيز بن محمد السدحان، حيث يقول: إن مصادر العلوم ومراجعها من تلك الكتب المطولة يتصاعب كثير من القراء الرجوع إليها، ناهيك عن القراءة فيها، ولذا تبقى تلك المطولات سنين عددا في كثير من المكتبات الخاصة والعامة لم يفتح منها مجلد واحد.
لذا كان من أنواع البر، فيما أحسب، لهذه المطولات الاختصار والانتقاء، وهذا الأمر من سنن التصنيف عند بعض أهل العلم. ومن تصفح فهارس التصنيف وجد مصداق ذلك واضحا جليا.
ويضيف د.السدحان: ومن هذا الباب، مسلك الانتقاء، شرع د.أحمد الهيفي في جرد بعض كتب التفسير وانتقى (1000) فائدة من كل تفسير عزم على اختياره من بين كتب التفسير، ومن ثمار ذلك فضلا عن الفائدة العلمية، إبراز تلك المطولات وبيان عظيم نفعها وجريان الأجر على مصنفيها ومؤلفيها، رحمهم الله تعالى، وغير ذلك من الثمار النافعة. وبين يديك كتاب حوى 1000 فائدة من تفسير الإمام القرطبي، رحمه الله تعالى. فوائد متنوعة تزيد القارئ والسامع والناقل علما، وتزيل عنهم جهلا.
وفي مقدمة الكتاب يقول د.أحمد الهيفي: عندما انتهيت من كتاب 1000 فائدة من تفسير أضواء البيان وعرضته على شيخنا الفاضل د.عبدالعزيز بن محمد السدحان، حفظه الله تعالى، اقترح علي أن أجمع 1000 فائدة من كتب التفسير على طريقة الكتاب.
واقترح أن أبدأ بتفسير القرطبي، فاستعنت بالله تعالى وبدأت قراءة تفسير القرطبي واستخراج الفوائد منه من سورة الفاتحة حتى بلغت سورة الكهف فبلغ ما جمعته من فوائد أكثر من 1000 فائدة، فعرضت الكتاب على الشيخ وقام بمراجعته وكتابة بعض الملاحظات التي استفدت منها كثيرا وكتب مقدمة الكتاب، فجزاه الله تعالى عني خير الجزاء، وعنونت الكتاب: بـ «1000 فائدة من تفسير القرطبي من سورة الفاتحة إلى سورة الكهف». سائلا الله تعالى أن ينفع به كاتبه ومن راجعه واقترحه وكل من قرأه. ونعرض في هذا الموجز المختصر جدا بعضا من هذه الفوائد التي نتمنى أن تكون ذات نفع على القراء. كانت الفائدة الأولى التي وضعها المؤلف بين أيدي القراء، قول ابن العربي: قال صلى الله عليه وسلم: «ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها». أي سورة الفاتحة، وسكت عن سائر الكتب كالصحف المنزلة والزبور وغيرها، لأن هذه المذكورة أفضلها، وإذا كان الشيء أفضل الأفضل صار أفضل الكل، كقولك: زيد أفضل العلماء فهو أفضل الناس. أما الثانية، فالصحيح أن «الفاتحة» متعينة في كل ركعة لكل أحد على العموم لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب»، وقوله: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج» ثلاثا. والفائدة الرابعة، قوله تعالى (بسم الله)، يعني بدأت بعون الله وتوفيقه وبركته، وهذا تعليم من الله تعالى عباده، ليذكروا اسمه عند افتتاح القراءة وغيرها. و(الخامسة)، «الله» هذا الاسم أكبر أسمائه سبحانه وأجمعها، حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره، لذلك لم يثن ولم يجمه، وهو أحد تأويلي قوله تعالى: (هل تعلم له سميا) (مريم – 65)، أي من تسمى باسمه الذي هو «الله».
ومن سورة البقرة جاءت الفائدة 15، إذ قال ابن العربي: سمعت بعض أشياخي يقول عن سورة البقرة: فيها ألف أمر، وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر.
أما الفائدة 25 فيها، فكانت في قوله تعالى: (صم بكم عمي فهم لا يرجعون) (البقرة:18)، وقال قتادة: (صم) عن الحق، (بكم) عن التكلم به، (عمي) عن الأبصار. (فهم لا يرجعون) أي: إلى الحق لسابق علم الله تعالى فيهم. والفائدة 38، ففي قوله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها) (البقرة:31)، الصحيح أن آدم مشتق من أديم الأرض.
قال سعيد بن جبير: إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض، وإنما سمي إنسانا لأنه نسي. والفائدة 49، من قوله تعالى: (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) (البقرة:41). وهنا أجاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وأكثر العلماء.
كما يأتي المؤلف في الفائدة الـ186 على أكل المال بالباطل، في قوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) (البقرة: 188). والمعنى: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، فيدخل في هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه، كمهر البغي وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك، ومن الأكل بالباطل أن يقتضي القاضي لك وأنت تعلم أنك مبطل، فالحرام لا يصير حلالا بقضاء القاضي، لأنه إنما يقضي بالظاهر. وهذا إجماع في الأموال.
والفائدة رقم 205 التي يقدمها د.أحمد الهيفي في كتابه، عن وحدة الناس، من قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة) (البقرة: 213)، قال مجاهد: الناس آدم وحده، وسمي الواحد بلفظ الجمع لأنه أصل النسل. وقيل آدم وحواء.وقال ابن عباس وقتادة: المراد بالناس القرون التي كانت بين آدم ونوح، وهي عشرة كانوا على الحق حتى اختلفوا فبعث الله نوحا فمن بعده.والفائدة 231، مستقاة من قوله تعالى: (وسع كرسيه السموات والأرض) (البقرة: 255)، وفي رواية أسباط عن السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود عن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (وسع كرسيه السموات والأرض)، فإن السموات والأرض في جوف الكرسي والكرسي بين يدي العرش. وأرباب الإلحاد يحملونها على عظم الملك وجلالة السلطان، وينكرون وجود العرش والكرسي وليس بشيء. وأهل الحق يجيزونها، إذ في قدرة الله متسع فيجب الإيمان بذلك. قال أبو موسى الأشعري: الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل. ويقدم لنا د.الهيفي الفائدة 250 عن الشهادة، من قوله تعالى: (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) (البقرة: 283).وهنا خص القلب بالذكر إذ الكتم من أفعاله، وإذ هو المضغة التي بصلاحها يصلح الجسد كله كما قال عليه السلام، فعبر بالبعض عن الجملة.
أعلم أن الذي أمر الله جل جلاله به من الشهادة والكتابة لمراعاة صلاح ذات البين ونفي التنازع المؤدي إلى فساد ذات البين، لئلا يسول له الشيطان جحود الحق وتجاوز ما حد له الشرع، أو ترك الاقتصار على المقدار المستحق، ولأجله حرم الشرع البياعــــــات المجهولة التي اعتيادها يؤدي إلى الاختلاف وفساد ذات البين. ومن سورة آل عمران، كانت الفائدة 253، وأقوال العلماء في التسمية، فللعلماء في تسمية البقرة وآل عمران بالزهراوين ثلاثة أقوال:
1- إنهما النيرتان، مأخوذ من الزهر والزهرة، فإما لهدايتهما قارئهما بما يزهر له من أنوارهما، أي من معانيهما.
2- وإما لما يترتب على قراءتهما من النور التام يوم القيامة.
3- سميتا بذلك لأنهما اشتركتا فيما تضمنه اسم الله الأعظم.
ومن سورة النساء: 32، قدم د.الهيفي الفائدة 356، من قوله تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض)، فالتمني المنهي عنه في الآية يدخل فيه أن يتمنى الرجل حال الآخر من دين أو دنيا على أن يذهب ما عند الاخر، وسواء تمنيت مع ذلك أن يعود إليك أو لا. وهذا هو الحسد بعينه، وهو الذي ذمه الله تعالى بقوله: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله). والفائدة 432، من قوله تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون) (المائدة:50)، والمعنى أن الجاهلية كانوا يجعلون حكم الشريف خلاف حكم الوضيع. وكانت اليهود تقيم الحدود على ضعفاء الفقراء، ولا يقيمونها على الأقوياء الأغنياء، فضارعوا الجاهلية في هذا الفعل.
وعن الرزق كانت الفائدة 467، من قوله تعالى: (وهو يُطعِم ولا يُطعَم)(الأنعام:14)، أي يرزق ولا يرزق، ودليله قوله تعالى: (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون)(الذاريات: 57). وخص الإطعام بالذكر دون غيره من ضروب الإنعام، لأن الحاجة إليه أمس لجميع الأنام. ومن قوله تعالى: (وتنحتون الجبال بيوتا)(الأعراف: 74)، كانت الفائدة 560، حيث اتخذوا البيوت من الجبال لطول أعمارهم، فإن السقوف والأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم.
والفائدة 606 من قوله تعالى: (وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين)(التوبة:47)، أي عيون لهم ينقلون إليهم الأخبار منكم.
ومن قوله تعالى: (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) (يونس: 78)، جاءت الفائدة 658، أي العظمة والملك والسلطان، و«في الأرض» أي أرض مصر، ويقال للملك: الكبرياء لأنه أعظم ما يطلب في الدنيا.
والفائدة 679 من قوله تعالى: (وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله) (هود:59)، يعني: هودا وحده، لأنه لم يرسل إليهم من الرسل سواه، وإنما جمع هاهنا لأن من كذب رسولا واحدا فقد كفر بجميع الرسل.
ومن سورة يوسف الآية 100، استقى د.الهيفي الفائدة 738 من قوله تعالى: «من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوني»، وذلك بإيقاع الحسد، وقيل: أفسد ما بيني وبين إخوتي، أحال ذنبهم على الشيطان تكرما منه.
والفائدة 746 من قوله تعالى: (ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) (الرعد:10)، أي يستوي في علم الله السر والجهر، والظاهر في الطرقات والمستخفي في الظلمات.
والكثير من الفوائد من سور إبراهيم، والحجر، والنحل، والإسراء، والكهف التي كانت منها الفائدة رقم 1000، من قوله تعالى: (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) (الكهف: 86)، قال بعض العلماء: ليس المراد أنه انهى إلى الشمس مغربا ومشرقا حتى وصل إلىلا جرمها ومسها، لأنها تدور مع السماء حول الأرض من غير أن تلتصق بالأرض، وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض، بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة.
أصناف المال ومن يتمول بها
الفائدة 260 من سورة آل عمران، كانت من قوله تعالى: (زُين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث)، (آل عمران: 14). قال العلماء: ذكر الله أربعة أصناف من المال، كل نوع من المال يتمول به صنف من الناس:
– أما الذهب والفضة فيتمول به التجار.
– وأما الخيل المسومة فيتمول بها الملوك.
– وأما الأنعام فيتمول بها أهل البوادي.
– وأما الحرث فيتمول بها أهل البساتين.
فتكون فتنة كل صنف في النوع الذي يتمول.
فأما النساء والبنون ففتنة للجميع.
القرعة لمن أراد العدل في القسمة
تتناول الفائدة 269 اللجوء للقرعة في القسمة، عملا بقوله تعالى: (إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) (آل عمران: 44). يستدل بهذه الآية على إثبات القرعة وهي أصل في شرعنا لكل من أراد العدل في القسمة.
وهي سنة عند جمهور الفقهاء في المستويين في الحجة ليعدل بينهم وتطمئن قلوبهم وترتفع الظنة عمن يتولى قسمتهم، ولا يفضل أحد منهم على صاحبه إذا كان المقسوم من جنس واحد.