نشرت في
اعلان
قال باراك للصحافيين اليوم الجمعة: “لا يوجد شرق أوسط، وإنما قبائل وقرى ودول قومية أنشأها سايكس بيكو.. أعتقد أنه وهم أن نرى 27 دولة مختلقة فيها 110 مجموعة إثنية تتفق على مفهوم سياسي”.
ويُعيد هذا الموقف إلى الأذهان ما سبق أن قاله خلال مؤتمر صحافي في القصر الجمهوري بالعاصمة اللبنانية بيروت عقب لقائه الرئيس جوزيف عون ضمن وفد أمريكي رفيع المستوى.
حينها، أثار استياءً واسعًا في لبنان بعدما وصف الصحافيين بـ”السلوك الحيواني” خلال محاولتهم الحصول على تصريحات منه ومن المبعوثة الأمريكية مورغان أورتاغوس، ملوّحًا بإنهاء المؤتمر إذا استمر “الوضع الفوضوي”.
وفي تصريحات اعتُبرت في لبنان إهانة مباشرة للصحافيين ومسًّا بكرامتهم، قال باراك مخاطبًا الصحافيين بوضوح: “سنضع مجموعة مختلفة من القواعد هنا.. أريدكم أن تصمتوا للحظة. في اللحظة التي يصبح فيها هذا الوضع فوضويًا، وأقرب إلى السلوك الحيواني، سنغادر”. ودعا الصحافيين إلى “التصرف المتحضّر، واللطف والتسامح”، معتبرًا أن غياب هذه القيم يعكس جانبًا من المشكلات التي تعانيها المنطقة.
فتحت هذه التصريحات الباب أمام جملة من التساؤلات حول نظرة باراك، ومن خلفه الإدارة الأمريكية، إلى شعوب المنطقة: هل تعكس مقاربة استعلائية تبسيطية للشرق الأوسط؟ وهل هي مجرد زلة لسان فردية، أم أنها تكشف ذهنية أعمق في واشنطن ترى في المنطقة مجرد خرائط ومجموعات متفرقة يسهل التعامل معها؟
قراءة في خلفيات الخطاب
في هذا السياق، علّق الصحافي اللبناني المتخصص في الشؤون العربية والإقليمية، أمين قمورية، على كلام باراك قائلًا: “هذا الرجل ليس ديبلوماسيًا ولا سياسيًا، بل هو رفيق لترامب ورفاقه رجال أعمال أكثر مما هم سياسيون. واضح أن هناك مشكلة في تصريحاته، فتارة يؤيد الحكومة اللبنانية وتارة أخرى يقول إنها لا تقوم بشيء. يبدو أن في الإدارة الأمريكية فريقًا أقرب إلى الموقف الإسرائيلي يرى أنه يجب التشدد أكثر في الخطاب، مثل أورتاغوس وغيرها الذين ينافسونه على هذا الدور”.
ويضيف قمورية في حديث مع “يورونيوز”: “لكن الأهم أن كلامه يجسّد بوضوح الرؤية الأمريكية للمنطقة. هم يعتبروننا قبائل، يسمون الفلسطينيين سكانًا، وكذلك الأردنيين واللبنانيين. بالنسبة لهم نحن مجرد سكان يعيشون على هذه الأرض بلا روابط مشتركة. وحتى في الخطاب الإسرائيلي نرى أنهم لا يتحدثون عن “شعب فلسطيني” بل عن “سكان”. المنطقة تُعامل كعقارات جغرافية لا يربطها تاريخ أو ثقافة أو هوية مشتركة”.
أما عن لبنان، فيرى قمورية أن “الخطة الإسرائيلية واضحة: هناك اتفاق أمريكي ـ إسرائيلي على وجوب إنهاء حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان. الدولة اللبنانية أُعطيت فرصة للقيام بهذه المهمة برأيهم، وإن لم تستطع يُترك الأمر لإسرائيل لتقرر ما تراه مناسبًا. هذا مؤشر خطر، لأن المعادلة تصبح أن إسرائيل هي الرابحة المنتصرة، وعلى الآخرين التسليم، وإلا فالحرب مستمرة. وكأن واشنطن تقول أنها غير قادرة على إلزام إسرائيل لا بالانسحاب ولا بأي اتفاق”.
ما وراء الرسائل الأمريكية
أوضح قمورية، في هذا الإطار، أن “مصطلح “الشرق الأوسط” نفسه ليس بريئًا، إذ يُعرّف وفق ما يناسبهم، مرة بشكل ضيق، وأخرى موسّعًا ليضم تركيا وإيران، أو حتى إسرائيل، بما يتماشى مع مصالحهم.
وبحسب الصحافي اللبناني، فإن خطاب باراك ينطوي على تهديد مبطن: “الشرق الأوسط والعالم العربي بالنسبة لهم ليسوا دولًا، بل خرائط مرسومة يمكن إعادة تقسيمها ساعة يشاؤون. السودان قسموه شمالًا وجنوبًا، العراق أبقوه موحدًا شكليًا لكنهم لم يسمحوا للأكراد بالاستقلال كي لا يثيروا غضب تركيا. هكذا يتصرف الأمريكيون، بينما الإسرائيلي له مصلحة دائمة في إبقاء المنطقة مقسمة ومتنازعة بين درزي وسني وشيعي، حتى تبقى الدولة الأقوى التي تسيطر على اقتصاد المنطقة وأمنها”.
وعن كيفية تعامل لبنان مع هذه الرسائل، يرى قمورية أن “ميزان القوى مختل بشكل كبير لصالح أمريكا وإسرائيل. ما يمكننا فعله هو أن نكون متفقين داخليًا، لأن مشكلتنا الداخلية أخطر من الهجوم الخارجي. المطلوب أن نفكر معًا، لبنانيين وسوريين وفلسطينيين وأردنيين ومصريين، حتى من وقّعوا اتفاقيات سلام مثل كامب ديفيد، فهم أيضًا مستهدفون. لا بد من رؤية مشتركة لمواجهة هذه المخاطر”.
ويشير قمورية إلى أن “إسرائيل مستمرة بخططها لإقامة شرق أوسط جديد، لا شيء مخفي. هذا جزء من عقلية ترامب التي ترى في إسرائيل الأداة الأساسية للسيطرة على المنطقة، حتى لو اختلفت بعض التفاصيل. المنطقة حيوية فيها النفط والغاز، ومن المهم بالنسبة لهم ألا تُترك للصين لتملأ الفراغ في إطار المواجهة الكبرى”.