تبدأ مسيرة الأمم بعزم رجال أو قادة يُدركون قيمة الوحدة وأثرها في صناعة المستقبل، وهكذا كانت رحلة المملكة، التي لم تنطلق من الصفر فحسب، بل من صحراء مترامية الأطراف، اذ كانت الفُرقة والاختلاف عنوان الحياة، وكانت الصراعات القبلية هي السمة الغالبة، وكان الأمن والأمان نادراً.
في عام 1319هـ، الموافق 1902، بدأ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- كتابة فصول جديدة من التاريخ، فمن الرياض كانت البداية، معلناً بداية عهد جديد؛ عهد الوحدة والرسوخ الذي جمع أطياف الجزيرة العربية تحت راية واحدة، ودين واحد، ولغة واحدة.
ولم تكن مسيرة التوحيد سهلة، فقد واجه المؤسس تحديات كبيرة، من فوضى وتناحر بين القبائل وضعف الموارد وتهديد القوى الخارجية، لكنه بفضل حكمة القيادة، وإيمانه العميق، استطاع أن يحقق الأمن والاستقرار، ووضع أسس الدولة الحديثة، القائمة على العدل، وتطبيق أحكام الشرع، وترسيخ قيم الإسلام في كل نواحي الحياة.
ومنذ توحيد المملكة، بدأت مسيرة البناء والتنمية، فدخلت البلاد عصراً من الاستقرار، والنهوض، والتحول، وأصبحت السعودية نموذجاً يحتذى به في المنطقة والعالم، مرتكزةً على بناء الإنسان، وتعليم الأجيال، وتطوير البنية التحتية، إلى جانب الاستفادة من ثروات البلاد في بناء اقتصاد متين، ومجتمع مزدهر.
واليوم، ومع رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تستمر مسيرة البناء، لتجعل من المملكة مركزاً عالمياً في الاقتصاد، والسياحة، والثقافة، والطاقة المتجددة، والتقنية، والرياضة، والصناعات المستقبلية، فرؤية 2030 تمثل امتداداً لمسيرة التوحيد، ورؤية للتجديد والتطوير، تهدف إلى تمكين الإنسان السعودي، وإيجاد اقتصاد متنوع ومستدام، يقوده الإبداع، والتخطيط الإستراتيجي، والتكنولوجيا الحديثة.
إن مسيرة التوحيد ورؤية التجديد ليست مجرد ذكرى تاريخية أو خطط مستقبلية، بل هي روح وطنية حية، ترافق كل مواطن ومواطنة، وتغرس في الأجيال حب الوطن والانتماء إليه، وتدفع الجميع للعمل من أجل مستقبل مزدهر، يعكس ما بدأه الملك المؤسس، ويواصل تطوره في عهد القيادة الحكيمة الحالية.
فاليوم، ونحن نحتفل بإنجازات المملكة، نؤكد أن التوحيد هو الأساس، والرؤية المستقبلية هي البوصلة، وأن السعودية ستظل دائماً مسيرة مجد وعطاء، من صحرائها إلى العالم، من الماضي المجيد إلى المستقبل الواعد.
* باحث متخصص في التاريخ
والتراث السعودي
أخبار ذات صلة