بقلم: د. يعقوب يوسف الغنيم
نعم! للزمن محطات تتمثل في أحداثه، لأنه من المعروف أن لكل حدث زمانه الذي يحدث فيه. وهذه بعض محطات تُعبّر عن أحداث جرت في الكويت، لا بد أن يجري تسجيلها حتى لا تغيب عن الأذهان، وقد مر بي وقت كنت فيه أسجل ذلك في أوراق أحتفظ بها لنفسي، ولكنني رأيت الآن أن من المهم أن أختار ما ينبغي أن يطلع عليه جميع المتتبعين لأخبار ماضي وطنهم الكويت الغالية، وهذا هو ما اخترته من تلك الأوراق:
في سنة 1863م زار الكويت المقيم السياسي البريطاني في الخليج لويس بيللي، وذلك في زمن الشيخ صباح بن جابر بن عبدالله (1859م-1866م) وهو حاكم الكويت آنذاك.وقد تحدث عن الشيخ وأعماله وأثنى عليه ثناء كبيرا.
كما ذكر ما يدل على اتصال الكويت بالخارج في ذلك الوقت المبكر، وقال: «لقد دهشت عندما وجدت في الكويت أن لديهم معلومات عن السياسة الخارجية».
ثم وصف الكويت وصفا عاما ذكر فيه أنها بلد متكامل متكاتف يعمل أهله بصفتهم أسرة واحدة متحابة، يساعد بعضهم بعضا. ومما قاله نصا:
«فهنا مدينة نظيفة تعج بالنشاط، لديها سوق كبير مفتوح، والعديد من المساكن القوية المشيدة بالحجارة، التي يعيش أهلها بسلام، وذلك بسبب عدالة الحكم وحرية التجارة».
هذا شاهد من عشرات الشهود الأجانب الذين استرعى انتباههم تكاتف الكويتيين ونشاطهم.
٭ ٭ ٭
على الرغم من أن الكويت لم تنه ارتباطها بالاتفاق التعاقدي الذي تم بينها وبين بريطانيا في سنة 1899م إلا في 19/6/1961م، إلا أنها كانت تشارك في كثير من اللقاءات العربية وغير العربية قبل إلغاء ذلك التعاقد، ومن ذلك احتضان الكويت للمؤتمر الثالث عشر لضباط اتصال المكاتب الإقليمية العربية لمقاطعة إسرائيل الذي عقد في الفترة من اليوم الثامن عشر من شهر أكتوبر لسنة 1958م حتى اليوم الثلاثين من شهر أكتوبر للسنة ذاتها.
بدأ هذا المؤتمر اجتماعاته في الموعد المحدد الذي أشرنا إليه، وكان مقر الاجتماعات هو نادي الطلبة في ثانوية الشويخ، وبدأ برئاسة المفوض العام لمكتب المقاطعة الرئيسي التابع لجامعة الدول العربية.
وقد ضم الاجتماع من الدول العربية ما لا يقل عن ست دول تدارست المسائل المطروحة في جدول الأعمال وتوصلت إلى توصيات مهمة غرضها إحكام المقاطعة، ومثل هذه الدول مدراء المكاتب الإقليمية لمقاطعة إسرائيل في دولهم. وقد وجد المؤتمرون في الكويت داعما لعملهم بحيث انتهى الزمن المحدد للاجتماعات، وقد درست كل النقاط الواردة في جدول أعمال المؤتمر.
كانت الكويت بعد ذلك حريصة على المشاركة في المؤتمرات المشابهة إيمانا منها بمشاركة الدول العربية في مواقفها المبدئية من القضية الفلسطينية التي بذلت الكويت الكثير من الجهود والأموال في سبيلها، وما مشاركتها في المؤتمرات الخاصة بمقاطعة إسرائيل إلا نموذجا من النماذج الدالة على المشاركة في تحمل أعباء القضية التي أطلق عليها اسم «قضية العرب المركزية».
٭ ٭ ٭
يسعى أهل الكويت منذ أمد بعيد إلى عمل الخير، وبذل المعروف لكل من يحتاج، وقد لاحظ عدد من أبناء وطننا في سنة 1913م أن بعض الناس في حاجة إلى عون في عدة مجالات تفرضها الحياة والحاجة.
وقد نهض أحد رجال ذلك الزمان بالمهمة، فبادر إلى إنشاء جمعية خيرية دعا عددا كبيرا من أهل البلاد المقتدرين إلى المشاركة فيها. وكان الذي دعا إلى هذا العمل هو المرحوم فرحان الخالد.
وقد تم لهم ذلك، فنشأت أول جمعية خيرية كويتية في ذلك الوقت البعيد بما يدل على أنها كانت غرس العمل الخيري الذي نشهده في هذا الزمان.
اهتمت هذه الجمعية بإرسال عدد من طلاب العلم إلى الخارج، واستقدام عدد من المرشدين، وأحضرت طبيبا مزودا بما يحتاج إليه المرضى من أدوات علاجية وأدوية، كما قامت بعدد آخر من الأعمال الإنسانية النافعة.
٭ ٭ ٭
من المعلوم أن الكويت كانت تعتمد في اقتصادها اعتمادا كبيرا على رحلات السفن، وهي من نوعين أحدهما رحلات السفر الشراعي التي تقوم بها سفن ذات أشرعة إلى الهند وأفريقيا من أجل التجارة والنقل. والثاني هو ما تقوم به السفن التي تخرج من أجل الغوص على اللؤلؤ في أماكن معروفة اعتادت على الإبحار إليها، وهي سفن أقل حجما.
وللغوص على اللؤلؤ نظام دقيق، ولبيع المحصول طرق منها الاعتماد على سوق الهند في ذلك الوقت.
وفي فترة من فترات ضعف مبيعات اللؤلؤ في الهند كان تجار اللؤلؤ الكويتيون يبحثون عن منافذ تسويق له تكون مناسبة ومتقبلة له.
وكانت نتيجة البحث في هذا الأمر أن قام أول وفد تجاري كويتي بزيارة إلى باريس في سنة 1930م وكان مكونا من علي بن حسين بن علي آل سيف ومعه عيسى الصالح، ثم لحقه وفد آخر في سنة 1932م مكون من محمد بن شملان بن على آل سيف ومعه مساعد الصالح، وفي الرسائل التي أرسلها هؤلاء المغامرون وصف لكثير من الأمور التي شاهدوها، وبيان لأحوال باريس، وأساليب البيع والشراء بها. وكان هؤلاء محط أنظار أبناء وطنهم عندما عادوا، وكانت أحاديثهم عن مشاهداتهم مثيرة لمستمعيهم.
هكذا نرى جزءا من مغامرة أبناء الكويت السابقين في سبيل كسب العيش.
٭ ٭ ٭
كان ارتداء البشت، وهو الرداء المعروف الذي يضعه الرجال فوق ملابسهم – في الماضي – عاما للجميع.
وفي فترة من الفترات كان الإقبال على لبس البشت شديدا، وكان الجميع يسارعون إلى ذلك، الأمر الذي جلب لبعض المواطنين متاعب مالية، نظرا للكلفة التي يتكلفها المستهلك عند الشراء. وقد ظهر في تلك الفترة أن البشت قد صار عبئا على الفقراء الذين لا يستطيعون شراءه ولا يستطيعون – في الوقت نفسه – الاستغناء عنه، لأنه لباس عام ومظهر من مظاهر المعيشة في الكويت. وقد أصبحت هذه الظاهرة تقلق عددا كبيرا من الأهالي، ما دفع الشيخ أحمد الجابر الصباح أمير الكويت الأسبق إلى إصدار قرار بتاريخ الخامس عشر من شهر يناير لسنة 1931م بمنع لبس البشت على جميع السكان، وقد اشتهر هذا الأمر في حينه.
وسميت تلك السنة (سنة البشوت)، وقد امتثل المواطنون لأمر الأمير، واستمر الأمر إلى أن استقرت أحوال الناس على ذلك، واكتسبوا الجرأة على عدم ارتدائه فألغي ذلك الأمر، ولكن البشت صار حتى اليوم من الملابس الرسمية التي يتم ارتداؤها في المناسبات، إضافة إلى لبسه في أوقات الحاجة.
ومما ينبغي أن يذكر في هذا السياق ما حدث في سنة 1931م التي أطلق عليها أهل الكويت اسم: سنة البشوت، وهي التي أمر بها الشيخ أحمد الجابر الصباح أمير الكويت في سنة 1931م بعدم ارتداء البشوت، وذلك لأن الناس بالغوا في ذلك وتكبدوا تكاليف مالية كبيرة، في وقت اقتصادي صعب من الأوقات التي مرت عليهم.
وقد استغرب الشاعر الكويتي إبراهيم الخالد الديحاني هذا الأمر لأنه سيترك بسببه ما تعود عليه هو وباقي المواطنين فقال قصيدة نبطية كان مطلعها:
يا رب صبرني على كل ما كاد
وانظر لوقت مدبرات اسنينه
ومنها قوله:
دشيت لم السوق كجاري العاد
مستانس للشي ما صار بينه
ولاي أشوف اللون في ناس أفراد
في دقلة والخيزرانه ابيمينه
قلت هل كيف تمشون لاعاد
بشت يذريكم عن البرد وينه
وكان هذا الشاعر من أبرز شعراء هذا النوع من الشعر، توفي في السبعين من عمره سنة 1954م، وكانت له قصائد لا تزال تتردد على الألسنة، وأخرى تبادلها مع شعراء وطنه.
٭ ٭ ٭
لكل ما يتعلق بالوظائف والموظفين العاملين لدى الدولة قوانين صدرت متتابعة بحسب تطور الأحوال واتساع رقعة العمل الحكومي.
وكان أول ما صدر من ذلك هو القانون الذي نشر في سنة 1953م وهو البداية التي لحقتها عدة قوانين معدلة أو مضيفة.
وقد أنيطت – منذ ذلك الوقت – مهمة تطبيق هذه القوانين بديوان الموظفين، فصار هو الذي يتولى الإشراف على تنفيذها، واقتراح القوانين الخاصة بها. وقد أضيفت إلى مهامه مهمة تدريب الموظفين بما في ذلك إرسال بعضهم في بعثات دراسية، بغية تأهيل هؤلاء للعمل الذي يقومون به في الجهات الحكومية التي يعملون بها.
وابتداء من سنة 1996م، بدأ نظام جديد للوظائف بقيام ديوان الخدمة المدنية الذي حل محل الديوان السابق، ولا يزال يؤدي واجباته بعد اتساع الاختصاصات عما كان منها للديوان السابق.
٭ ٭ ٭
تقع منطقة بحرة في شرقي الجهراء تحت جال الزور من الجنوب عنه، وقد نالت شهرة كبيرة في سنة 1935م، عندما بدأ فيها التنقيب عن النفط، وقد ورد في أحد تقارير شركة نفظ الكويت أنه في سنة 1935م وصل إلى الكويت المستر سكوت أول مدير للشركة على رأس جهاز إداري وفني، وتم فورا تحضير المخيم، ثم تم إحضار الحفارين، وبدأ العمل الصعب، وبعد سنتين من البحث أغلقت البئر التي بدأ العمل بها، وذلك لعدم جدواها.
وكانت الكويت قد اهتمت بهذا العمل وكان أميرها – آنذاك – الشيخ أحمد الجابر الصباح يتابعه حتى لقد أمر باختيار عدد من الشباب الكويتيين وألحقهم بجهاز العمل، وفق رواية رواها لي المرحوم خالد بورسلي، وكان واحدا من أولئك الشباب.
وللحكاية بقية رواها هارولد ديكسون وذكرتها في مقال سابق بعنوان: «برقان.. أمل وعمل»، بدأ ديكسون بالحديث عن العمل في بحره، وذكر التوقف والانتقال بعد ذلك إلى منطقة برقان، حيث تم العثور على النفط بوفرة دخلت بسببها الكويت عالم الدول المصدرة له.
٭ ٭ ٭
لم تقم حكومة الكويت بتقديم خدمة الكهرباء لكافة الأهالي إلا في 1952م، عندما أنشأت دائرة الكهرباء والماء لكي تقوم بعبء هذين المرفقين.
وكانت قد نشأت في البلاد شركة أهلية أطلق عليها اسم: شركة كهرباء الكويت المحدودة، وهي وإن لم تكن تغطي كافة احتياجات البلاد من هذه الخدمة، إلا أنها قامت بجهد مشكور إلى أن سلمت الراية إلى الإدارة الجديدة.
وكانت قيمة الاستهلاك بسيطة لأن المستهلكين لم يكونوا في حاجة إلا إلى الإنارة، وأحيانا بعض المراوح. ولكي نقدم ما يدل على ذلك فإننا نجد وثيقة عبارة عن قائمة حساب مطلوب من أحد المشتركين في الخدمة تنص على ما ينبغي دفعه من هذا المشترك عن المدة من 2 مايو 1936م إلى 4 يوليو 1936م هو ثماني ربيات وعشر آنات بما يعادل في نقد الحالي حوالي ستمائة وسبعة وثلاثين فلسا، علما بأن متوسط استهلاك الكهرباء في أيامنا هذه هو ثلاثون دينارا.
ومما ينبغي أن يذكر هنا أن التيار الكهربائي قد سرى في الكويت على يد الشركة المذكورة في 1/4/1934م وأنه في 2/6/1952م نشأت دائرة الكهرباء والماء برئاسة الشيخ جابر العلي الصباح، وتوقفت الشركة عن العمل فيما بعد ذلك.
ومن أجل الحصول على معلومات أخرى كافية عن الأيام الأولى للكهرباء في الكويت، فإن من المفيد الرجوع إلى كتابنا: الأزمنة والأمكنة ج 1 ص 200، ففيه تفصيل كاف لذلك.
٭ ٭ ٭
في سنة 1952م، تحرك عدد من أبناء الكويت من أجل إنشاء ناد رياضي اجتماعي ثقافي، فكان ناتج تحركهم ظهور النادي الأهلي الكويتي الذي بزغ نجمه في شهر سبتمبر لسنة 1952م، وكان يوم الافتتاح يوما مشهودا حضره عدد كبير من الشيوخ والمسؤولين ورجال الكويت والمهتمين بالرياضة والأنشطة الاجتماعية. وحرصت مجلة «الرائد» التي كان نادي المعلمين يصدرها آنذاك على أن تبدي اهتمامها بهذا الحدث الذي يحرك النشاط الأهلي، ويفتح المجال لكل من لديه الرغبة في خدمة الوطن من هذا الطريق. وكذلك اهتمت دائرة معارف الكويت بالنادي، وحرصت على دعمه بكل وسيلة، ومن ذلك إمداده بعون سنوي مقداره خمسة عشر ألف روبية حتى يستطيع أن يسير في طريقه المرسوم دون أن تقف أمامه أية معوقات مادية. وكان هذا المبلغ كبيرا إذا قارناه بمستوى المعيشة في ذلك الزمان.
بعد افتتاح النادي رسميا بوقت قصير أخذ في مزاولة العمل الذي أنشئ من أجله فاستقطب عددا كبيرا من أبناء الكويت الذين انضموا إليه رغبة في الاستفادة من إمكاناته المتعددة التي بدأ في تقديمها لأعضائه، وما إن مر وقت قصير حتى وجدنا فريق كرة القدم التابع للنادي الأهلي في طليعة الفرق الكويتية، إضافة إلى أنه ضم فرقا أخرى تزاول باقي الألعاب المتاحة للأعضاء.
ولم يقتصر جهد هذا النادي على الرياضة فحسب، بل صار يهتم بالمسائل الثقافية، ويدعو إلى حضور محاضرات يلقيها عدد من المختصين.
واستمر في نشاطه إلى أن تم إغلاقه مع غيره من الأندية تمهيدا لدورة عمل اجتماعي جديد شهدناه في الأندية التي ظهرت فيما بعد.
٭ ٭ ٭
يقع حقل الروضتين النفطي في المنطقة المسماة بهذا الاسم، وهي في موضع يقع في شمالي العاصمة على مسافة 93 كيلومترا منها. يمر بهذه المنطقة الطريق الممتد إلى المنطقة التي تسمى اليوم العبدلي، وعلى غربه نجد الروضتين التي اكتشف فيها نبع الماء الشهير، وهي خالية من السكان. وعلى شرقي الطريق القسم الثاني من المنطقة ويطلق عليه أم العيش وفيه حقل الروضتين النفطي ويمزج البعض بين الموقعين فيقولون عنهما: أم العيش.
بدأ ظهور النفط في هذا الحقل إثر عملية استكشافات مستمرة في شهر سبتمبر لسنة 1954م، ولم يبدأ الإنتاج الفعلي منه إلا في شهر يونيو لسنة 1960م، وقد بدأ تصدير نفط هذا الحقل في سنة 1961م، واستمرت شركة نفط الكويت في الاستفادة من إنتاجه الذي صار غزيرا بعد التطوير الذي أدخلته عليه، وبعد مزيد من البحوث والاستكشاف حول المنطقة الأولى التي تم فيها الحفر عند بداية العثور على النفط الخام وسمي: (نفط الروضتين).
وأدل شيء على القيمة الإنتاجية لهذا الحقل المهم ما ورد في ميزانية شركة نفط الكويت عن السنة المالية: 2005م – 2006م، وكان الحديث فيها قد تطرق إلى أن الاختبارات قد أكدت وجود نوعية ممتازة من المكامن النفطية التي تم التعرف على وجودها بعد أن تم البحث هناك.
ومن ذكرياتي المتعلقة بنبع المياه الذي أشير إليه هنا، أن عددا كبيرا من المواطنين كانوا يذهبون عصر كل يوم لمشاهدة موقع هذا الحدث، فقد كان للعثور على ماء الشرب في ذلك المكان فرحة غامرة لهم جميعا.
ومما أود الإشارة إليه أننا ذهبنا بصحبة الخال إبراهيم سليمان الجراح، عند علمنا بهذا الأمر الذي استفاض به الحديث بين الناس، وذلك في سنة 1961م.
وأذكر أننا استمتعنا برحلتنا يومذاك وقد كتب الخال بهذه المناسبة قصيدة قال فيها:
شغفت بأم العيش ساعة زرتها
وما خلت يوما أنني سأزورها
شربت بها من مائها العذب فاشتفت
به كبدي وانجاب عني حرورها
فأعذب ماء في البسيطة ماؤها
وأطرب شيء للقلوب خريرها
وأم العيش – كما ذكرنا – موقع ملاصق للروضتين شرقا عنها جعل بعض الناس يطلقون على الموقعين أم العيش.
٭ ٭ ٭
عندما تسير في شارع الخليج العربي متجها إلى الشرق جاعلا المستشفى الأميري على يمينك والبحر على يسارك فإنك لا بد ستصل إلى الطريق المؤدي يمينا إلى قصر دسمان، على طرف هذا الانعطاف، يطل اليوم على البحر مبنى شاهق هو مبنى بحوث المرض السكري، وقد كتم هذا المبنى أنفاس روضة مبناها من أجمل مباني رياض الأطفال عندنا، إضافة إلى أنها وروضة طارق التي نالت نصيبها من الإزالة كانتا أول روضتين تنشآن في الكويت وذلك في سنة 1954م.
لا شك في الفوائد الكبرى التي ستجنيها البلاد، من مركز البحث الخاص بالسكري الذي أشرنا إليه، ولكن مكانه قضى على جزء من تاريخنا، ولو بني في مكان آخر لكان أفضل، وعلى كل فإن روضة المهلب التي بني المبنى على أنقاضها قد بنيت هي الأخرى على موضع كان له ذكر في الكويت القديمة، وكان اسمه يتردد بين الناس، ذلك هو ما يسمى: السدر الأربع.
موقع الروضة المذكورة وما حولها يضم عددا من شجر السدر أربع منها حجمها كبير، والباقيات أقل حجما، وقد أخذ المكان اسمه من هذه الشجرات الأربع من السدر فسمي: السدر الأربع.
انتشر الاسم كثيرا بين الناس، وصار للموقع صيته الكبير عندهم، وذلك لأن السدر الأربع صارت رمزا للأنس واستجلاب الفرح والسعادة بما يقام على أرضها من احتفالات متنوعة تشارك فيها الفرق الشعبية بكافة أنواعها، ويغني فيها – على الأخص – السامري المحبب لدى الساهرين الذين يمضون ليلة الجمعة في مرح غامر وسط حشد من المشاركين في الغناء أو الاستماع.
٭ ٭ ٭
تردد صوت الكويت في آذان الكون عن طريق إذاعة الكويت الحكومية لأول مرة في سنة 1951م، وكانت محطة الإذاعة آنذاك بقوة نصف كيلو وات، وتتكون من غرفة واحدة تضم الاستديو الوحيد الذي تذاع منه كل المواد التي لم تكن تتجاوز في أغلبها الأغاني، والحفلات الغنائية التي تذاع على الهواء مباشرة، لعدم توافر التسجيل الذي كان يحتاج – في ذلك الوقت – إلى مزيد من الاستعدادات التي لم تكن في متناول القائمين على الإذاعة الذين لم يتجاوز عددهم الاثنين، وكانت ساعات البث اليومية لا تزيد على ساعتين، ثم زادت هذه الساعات في سنة 1953م فأصبحت ثلاث ساعات، ومنذ شهر فبراير لسنة 1960م دخلت إذاعة الكويت طورا جديدا فبدأت البث على جهاز إرسال (موجة متوسطة) قوتها خمسة كيلو وات، ثم ألحق به جهاز آخر مماثل له يعمل على الموجة القصيرة في شهر أبريل من العام نفسه، وفي شهر أغسطس الذي تلاه زيدت قوة هذين الجهازين إلى عشرة كيلو وات لكل منهما.
في شهر يونيو من سنة 1960م كانت الإذاعة على استعداد لكي تخطو خطواتها المرجوة بالانتشار وتنوع البرامج، فزادت ساعات البث لتصبح عشر ساعات ونصف الساعة، وزاد عدد الموظفين الذي كان في سنة 1958م ثمانية فقط، ليصبح عددهم في نهاية سنة 1959م أربعة وستين موظفا، وزاد في سنة 1964م على الثلاثمائة موظف.
٭ ٭ ٭
هذا هو ما أردت ذكره من المحطات التي تصف أحداثا وأماكن لها ذكر في تاريخ الكويت العزيزة. وأتمنى العودة إلى ذكر محطات مماثلة لما أوردته هنا، وذلك من أجل لفت الأنظار إلى جوانب مهمة ومضيئة من تاريخنا.