اتخذت الحكومة الإسرائيلية، اليوم الثلاثاء، قرارًا بإلغاء قرار إقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، رونين بار، عبر تصويت هاتفي، وذلك بعد أن أعلن بار، مساء أمس الإثنين، عن نيته إنهاء مهامه رسميًا في 15 حزيران/ يونيو المقبل.
يُفهم من القرار أن الهدف منه هو تجنب صدور حكمٍ قضائي من المحكمة العليا حول الالتماسات المقدمة ضد إقالة بار، في ظل التوتر غير المسبوق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الشاباك، والذي هدد بالانجرار إلى أزمة دستورية.
المحكمة العليا أمام ثلاثة خيارات لحسم قضية إقالة بار
وذكرت هيئة البث العام الإسرائيلية (“كان 11”) أن المحكمة العليا أمامها ثلاثة خيارات مركزية: الأول يتمثل بإعلان فقدان الالتماسات لجدواها وبالتالي إغلاق الملف؛ والثاني يشمل النظر في تفاصيل القضية والبت في الطعون القانونية المقدمة، وهو الخيار الذي يدفع به بار نفسه والذي أكد أنه يتوقع أن تحسم المحكمة في الملف؛ أما الخيار الثالث فهو إصدار قرار يتضمن موقفًا مبدئيًا يتعلق بأهمية اتباع الإجراءات القانونية السليمة ومكانة رئيس الشاباك، دون الدخول في الوقائع المحددة للقضية، مع توصية بالتوصل إلى تسوية بين الحكومة وبار حول موعد تنحي الأخير.
واعتبرت القناة أن الخيار الثالث هو الأكثر احتمالاً، وهو أن تصدر المحكمة العليا قرارًا لا يتناول التفاصيل الدقيقة، بل يركز على المبادئ المتعلقة باحترام الإجراءات القانونية ومركزية مكانة رئيس الشاباك واستقلالية الجهاز.
وأشارت “كان 11” إلى أن أهمية هذه القضية مضاعفة، ليس فقط لأنها تتعلق بإقالة رئيس حالي للشاباك، بل أيضًا لما تحمله من دلالات على طريقة اختيار رؤساء الجهاز مستقبلاً، وعلى كيفية تعريف مفهومي “الثقة” و”الولاء” في المناصب الحساسة، وهي المعايير التي شكّلت أساسًا لإقالة بار، وكذلك المسعى الموازي لإقالة المستشارة القضائية للحكومة.
ورأت القناة أن استقالة بار قد تسهم بشكلٍ غير متوقع في تمكين المحكمة من اتخاذ موقف قوي، حيث تقلص احتمال حدوث أزمة دستورية في حال رفض الحكومة الامتثال لحكم قضائي، مشيرة إلى أن “استقالته بدت كأنها انتصار للجهة التي تعارض إصدار حكم قضائي بهذا الشأن”.
وأضافت القناة أن “باستقالته، لم يعد بار محور القضية. وبمجرد مغادرته المنصب، تتراجع احتمالات أن ترفض الحكومة تنفيذ قرارٍ محتمل من المحكمة، ما يمنح القضاة هامشًا أوسع لإصدار قرارٍ مبدئي مهم”، مؤكدة أن القضية “تتجاوز أبعادها القانونية”، وأن “النقاش حولها لن ينتهي مع صدور حكم المحكمة العليا”.
استقالة بار
وكان بار قد أعلن استقالته يوم الاثنين بسبب فشل الجهاز في التحذير من هجوم 7 أكتوبر 2023 الذي نفذته حركة حماس وأسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص وإشعال حرب في قطاع غزة.
وقال بار خلال حفل تأبين لجنود الشاباك الذين سقطوا في الحرب: “بعد سنوات على جبهات عديدة، في ليلة واحدة، على الجبهة الجنوبية، سقطت السماء. انهارت جميع الأنظمة، كما فشل جهاز الأمن العام (الشاباك) في إصدار تحذير”.
وأضاف: “على كل من فشل في منع الهجوم أن يحني رأسه في تواضع أمام القتلى والجرحى والمخطوفين وعائلاتهم ويتحرك وفقًا لذلك”.
وحاول نتنياهو إقالة بار الشهر الماضي، تحت ذريعة أزمة ثقة مرتبطة بهجوم حماس، لكن الخطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل إسرائيل، خاصة في ظل التحقيق الذي يجريه الشاباك في العلاقات بين مكتب نتنياهو ودولة قطر، الوسيط بين إسرائيل وحماس في ملف تبادل الأسرى.
كما يحقق الشاباك في ادعاءات بأن مستشارين مقربين من نتنياهو عملوا كمستشارين مدفوعي الأجر لصالح قطر، بينما كانوا يعملون في مكتب رئيس الوزراء، دون أن يكون لنتنياهو دور مباشر في التحقيق.
وجمدت المحكمة العليا الإسرائيلية قرار الإقالة إثر عدد من الطعون القانونية، ودعت إلى التوصل لحل وسط بين الأطراف، وقال بار في خطابه إن الإجراءات القضائية “لا تخصه شخصيًا، بل تتعلق باستقلالية الرؤساء القادمين لجهاز الشاباك”.
معركة قضائية
وقدم بار وثيقة إلى المحكمة العليا الأسبوع الماضي، اتهم فيها نتنياهو بمحاولة استغلال جهاز الشاباك لتحقيق مكاسب سياسية وشخصية.
في المقابل، يؤكد نتنياهو دائمًا وجود ما يصفه بـ”دولة عميقة” من موظفين حكوميين وقضاة غير منتخبين تسعى للإطاحة به. وتقول منظمات المجتمع المدني إن من المفترض أن يكون رئيس الشاباك شخصية مستقلة، وتخشى أن يفتح رحيل بار المجال أمام نتنياهو لتعيين أحد المؤيدين له في هذا المنصب الحساس.
يُذكر أن الشاباك مسؤول عن مراقبة الجماعات الفلسطينية المسلحة، وقد اعترف بار سابقًا بإخفاقات الجهاز في منع هجوم السابع من أكتوبر، الذي ألقت الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عنه على الجيش والأجهزة الاستخبارية، ورفضت مرارًا إنشاء لجنة تحقيق رسمية برعاية الدولة.
ويأتي هذا في سياق استقالة أو إقالة عدد من المسؤولين الأمنيين الكبار في إسرائيل بعد الهجوم، من بينهم وزير الدفاع السابق وقائد الجيش.
وفي هذا الشهر، حاول نتنياهو تعيين قائد سابق في البحرية الإسرائيلية رئيسًا جديدًا للشاباك، لكن التعيين أُلغِي بعد أقل من 24 ساعة من إعلانه، عندما اتضح أن المرشح شارك في احتجاجات مناهضة للحكومة.