وكان البابا قد أُدخل المستشفى في شباط/فبراير الماضي جراء التهاب في الجهاز التنفسي. وعلى الرغم من حالته الصحية المتراجعة، شدّد مرارًا على تمسّكه بمنصبه البابوي، مؤكدًا أنه، على عكس سلفه، لا ينوي الاستقالة تحت أي ظرف.
وُلد البابا، واسمه الأصلي خورخي ماريو بيرغوليو، في الأرجنتين عام 1936. وانتُخب على رأس الكنيسة الكاثوليكية عام 2013 بعد استقالة البابا بنديكتوس السادس عشر. وقبل انتخابه، كان بيرغوليو يشغل منصب رئيس أساقفة بوينس آيرس وينتمي إلى “الرهبنة اليسوعية”، إحدى أهم مؤسسات الكنيسة الكاثوليكية، وقد صنع لنفسه اسمًا معروفًا في أمريكا اللاتينية، خصوصًا من خلال مواقفه الصريحة خلال الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالأرجنتين مطلع الألفية.
وقد حرص البابا فرنسيس على إظهار صورة متواضعة وبسيطة، في تباين واضح مع سلفه. وتُروى عنه قصة متداولة، وإن لم تُؤكَّد رسميًا، تفيد بأنه رفض ارتداء الزي البابوي المزخرف في أول ظهور علني له، قائلاً لأحد مساعديه: “لقد انتهى الكرنفال”.
أعرب البابا مرارًا وتكرارًا عن تعاطفه الشخصي مع الفقراء وعُرف عنه دفاعه عن اللاجئين والنازحين بسبب النزاعات. وخلال أزمة الهجرة عام 2015، والتي تصاعدت فيها محاولات الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط، أعلن الحبر الأعظم أن الفاتيكان سيستقبل عائلتين من اللاجئين وحثّ الكاثوليك أيضا على مدّ يد العون لهذه الفئة.
وقال: “أمام مأساة عشرات الآلاف من اللاجئين الفارين من ويلات الحروب والجوع، والذين يخوضون رحلة محفوفة بالأمل، يدعونا الإنجيل للوقوف إلى جانب الضعفاء والمهمّشين، أولئك الذين تُركوا لمصيرهم”.
وفي السياق ذاته، وجّه الحبر الأعظم نداءً من أجل إحلال السلام في بؤر النزاع حول العالم، مشيرًا بشكل خاص إلى الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة.
وفي خطاب ألقاه في كانون الثاني/يناير الماضي، شدّد قائلاً: “لا يمكننا تحت أي ظرف أن نقبل قصف المدنيين”. وأضاف: “لا يمكننا أن نغضّ الطرف عن أطفال يموتون من البرد، لأن مستشفياتهم دُمّرت أو لأن شبكة الكهرباء في بلادهم أصبحت هدفًا عسكريًا”.
وأضاف أيضا في إشارة للحرب الأوكرانية الروسية: “أمنيتي لعام 2025 هي أن يعمل المجتمع الدولي بأسره، قبل أي شيء، على وضع حدّ للنزاع الذي تسبب، منذ ما يقارب ثلاث سنوات، في إراقة الكثير من الدماء”.
ورغم أن مواقف البابا فرنسيس إزاء النزاعات والأزمات الإنسانية أكسبته تعاطفًا عالميًا واسعًا، إلا أن تصريحاته أثارت أحيانًا جدلًا داخل الكنيسة وخارجها.
ففي أيار/مايو 2024، اضطر للاعتذار بعد أن نقلت صحيفتان إيطاليتان استخدامه تعبيرًا مهينًا بحق المثليين، خلال اجتماع خاص أعرب فيه عن رفضه السماح للرجال المثليين بدخول السلك الكهنوتي.
وقد بدت هذه الحادثة متناقضة مع الصورة التي سعى البابا فرنسيس إلى ترسيخها كزعيم كاثوليكي أكثر انفتاحًا تجاه هذه الفئة مقارنة بسابقيه. ففي عام 2013، قال عبارته الشهيرة: “إذا كان شخص ما مثلي الجنس ويبحث عن الرب ولديه نية طيبة، فمن أنا لأحكم عليه؟”. وفي عام 2023، منح موافقته على قيام الكهنة بمباركة العلاقات المثلية بشكل غير رسمي.
وأوضح في مقابلة أُجريت معه آنذاك: “أنا لا أبارك زواجًا من نفس الجنس، بل أبارك شخصين يحبّان بعضهما البعض، وأطلب منهما أيضًا أن يُصلّيا من أجلي”. وأضاف: “عندما أصادف مثل هذه الحالات، أمنح البركة دومًا، فليس من العدل أن يُحرم منها أحد”.
وفي ختام مسيرته، وجد البابا فرنسيس نفسه في مواجهة الغضب المتواصل حيال تستّر الكنيسة الكاثوليكية على الاعتداءات الجنسية التي ارتكبها رجال دين بحق أطفال في مختلف أنحاء العالم. ففي عام 2014، وصف الحبر الأعظم هذه الفضيحة العالمية بأنها “إساءة أخلاقية فادحة ارتكبها رجال الكنيسة”، مشددًا على شعوره الشخصي بضرورة “طلب الصفح” عمّا حدث، ورفضه لممارسات التستر التي مارستها بعض السلطات الكنسية لحماية المعتدين.
وكان من أبرز المحطات الحساسة العام الماضي، زيارة البابا إلى بلجيكا حيث قدّم اعتذارًا علنيًا عن الانتهاكات التي تعرّض لها مئات الأطفال على أيدي قساوسة في منطقة فلاندرز،وأقرّ بأنه على الكنيسة “أن تشعر بالخجل”..
ورغم موافقة البابا فرنسيس على سلسلة من الإصلاحات والإجراءات الوقائية الرامية إلى منع تكرار هذه الانتهاكات وضمان محاسبة مرتكبيها، إلا أن تقارير متكررة لا تزال تُظهر وجود إجراءات لنقل القساوسة المتهمين إلى أبرشيات أخرى بدلاً من إخضاعهم لتحقيقات رسمية أو تقديمهم للمساءلة الجنائية.