التطرف والإسلاموفوبيا والصراع في الشرق الأوسط وقضايا مهمة أخرى كلها مسائل لا تهم فقط العالم العربي والإسلامي بل هي تشغل أيضا العالم بأسره. فالمسلمون يشكلون أكثر من ثلث سكان الكرة الأرضية يتوزعون على 57 دولة، كما أن هناك أقليات تابعة تعيش في أوروبا ودونها تحديات مختلفة قد تضع على المحك التعايشَ مع الفئات المجتمعية الأخرى في البلدان التي يقيمون فيها. فتلك الأقليات تتأثر حتما بالتقلبات السياسية والتغيرات الإيديولوجية التي قد تبرز هنا أو هناك.
كانت ليورونيوز فرصة لقاء أمين عام رابطة العالم الإسلامي الشيخ محمد عبد الكريم العيسى في برنامج Europe Conversation للحديث عن جملة من القضايا الدينية والسياسية ذات الاهتمام المشترك بين أوروبا والعالم الإسلامي.
الأقلية المسلمة في أوروبا بين الدين والقوانين
بالحديث عن الأقليات المسلمة في أوروبا وإلى أي مدى يمكن لطقوسها الدينية (كمسألة الحجاب مثلا) أن تتعارض مع قوانين البلدان التي تقيم فيها وهل يجب على هذه الأقليات التقيّد بتلك التشريعات، رأى الشيخ العيسى أن هناك قيما مشتركة بين الطرفين ينبغي التركيز عليها وأنه يجب مراعاة الاختلاف، ففيه تعزيزٌ لقيم التعايش والتسامح بين فئات المجتمع.
“الدساتير المتحضرة تحترم الخصوصيات الدينية وبل وتدعم ممارستها بكل حرية. ما يتعلق بالقوانين التي من شأنها أن تمس خصوصية دينية. أنا أدعو المشرٌعين إلى أن يراعوا هذه الخصوصية. ولا شك أن هذه التشريعات من شأنها أن تعزز الوئام المجتمعي. ولا أقول بهذا بأنه في حال عدم الأخذ بذلك أن أدعو إلى صدام مجتمعي مطلقا. أنا أحذر من هذا تماما، ولكن أدعو إلى أن يقوم المشرّع بمراعاة ذلك انطلاقا من روح الدستور المتحضر الذي يرعى الخصوصيات ويحترمها. ومن خلال احترام هذه الخصوصيات الدينية يأتي تعزيز ودعم الوئام المجتمعي. لا أعتقد أن هناك فائدة مطلقا من منع خصوصية دينية من أن تمارس استحقاقها الديني في هذا. ومهما يكن من منع لخصوصية دينية معينة، سيكون هناك تناقض لأن هناك خصوصيات دينية للأديان أخرى سمح بها من أجل أن نتلافى أيضا هذا التناقض، لأن من شأن التناقض أن يثير قلقا. وبهذا أنا أدعو التشريعات في دول التنوع الديني والثقافي والإثني أن تراعي هذا التنوع لأنه يعزز من الوئام، ولأنه ينطلق أيضا من قاعدة يؤمن بها الجميع ويدعو إليها الجميع وهي التسامح. لا بد أن يكون هناك تسامح أيضا بالتشريعات. نعم. وهذا لا يؤثر على الهويات الوطنية مطلقا. بل إن هذا التنوع يعطي الدولة الوطنية ذات التنوع الديني والإثني. المزيد من الإعجاب بها. وتقديرها أيضا يعطيها المزيد من التقدير. وأيضا يصنّفها كدولة تدعو إلى احترام الخصوصيات الدينية. ولا شك أن هذه رؤية متحضرة تدعو إليها روح دساتير هذه الدول.”
الكراهية لأغراض انتخابية: “أسلوب خاطئ وصفقة خاسرة”
مع تنامي شعبية تيارات اليمين الشعبوي والمتطرف في أوروبا والمكاسب الانتخابية التي حققها في دول مثل فرنسا وألمانيا وهولندا، أعرب أمين عام رابطة العالم الإسلامي عن تفاؤله بانحسار هذه الموجة، لأن كراهية الآخر ليست السبيل للنجاح. ورأى أنه مهما كانت النتائج الآنية التي قد تنبثق عن استحقاق معين في ظرف معين، فإن مثل تلك التيارات لن تحقق أهدافها على المدى الطويل ناهيك عن الإرث الذي ستتتركه وراءها.
“نحن نتفاءل. وكل من اتخذ منهج الكراهية والعنصرية في أساليبه الانتخابية، فإنه في نهاية المطاف لا يحقق أهدافه الكاملة التي يسعى إليها. قد يفوز بالخديعة وبهذه الأساليب. ولكن التاريخ لن يرحمه في سجلّه الأخلاقي. ومن خلال الاطلاع على سجلّ من مضى من هؤلاء، تجد أنهم انتهوا إلى سجلّ سلبي بل ومظلم لدى الجميع، ليس فقط لدى من تحدث عنهم بعنصرية سواء مسلمين أو غير مسلمين. أعتقد أن هناك تحولا في الإدراك من خلال الوعي بالسرد التاريخي. بل إن من مارس هذه الممارسات بعد أن يحصل على هدفه فإنه أمام تعامل دولي. أما التعامل معه أولا على المستوى الدولي أو على مستوى التنوع الذي لديه. ماذا يعمل به؟ هل سيستمر في خطابه الإقصائي؟ إذن لن يخطو خطوة، سيصطدم مع الدستور… مع القوانين… مع المجتمع… مع الدول… هي مناورة خاطئة… مناورة غير حكيمة. من أجل هدف معين… بدلا من أن يعزز الوعي لدى المجتمع، وأن يفتخر بالتنوع الذي لديه، وألا يخاطب بأسلوبه إلا من خرج عن السياق، وليس فقط لأنهم مسلمون. بدلا الحقيقة من أن يفعل. السياق السليم في هذا يسلك هذا المسلك الخاطئ. عندئذ هو يعزز من مشروع التخلف… نعم، مشروع التخلف والتخلف لا علاقة له بالتطور المادي. التخلف السلوكي… التخلف الأخلاقي لا علاقة له بالتطور المادي مطلقا.
فكيف أتعامل مع هذا العالم مع هذا التنوع؟ بهذه الأساليب؟ أساليب خاطئة وأساليب متخلفة. ولهذا نحن نلتقي بالجميع. نتحدث عن فئات معينة. نلتقي بهم. وأنا سعيد جدا بأن عددا منهم تفهم، وأن عددا منهم أدرك أن هذا المشروع هو مشروع خاطئ ومشوار خاسر، وإنْ حقق مكاسب عاجلة. نحن نأتي إليهم ونتحاور معهم، ونقدر أيضا الوسطاء الذين عملوا في الحقيقة حلقات نقاش مثرية مع هؤلاء. نحن لا نجلس ولا نعطي خطابات منددة فقط، وإنما نأتي ونتحاور ونوضح الحقائق ونبحث جميعا عن المنطق والحكمة التي تمثل مشترك يدعو إلى الجميع ويتمناه الجميع. القضية قضية حوار، قضية تقارب، القضية هي أن نوضح الحقيقة. يجب أن نستوعب تنوعنا الديني والإثني والثقافي، وأن لا نخاف من الأخر لأجل الدين أو لأجل العرق، مطلقا. هذا أسلوب خاطئ وصفقة خاسرة”.
تعليم المرأة “حق مشروع” وفي كل المراحل الدراسية
تحتل مسألة حقوق المرأة في البلدان الإسلامية حيزا واسعا من النقاش وسط تساؤلات عما إذا كانت تعاليم الإسلام هي التي تحول دون تمتع النساء بحقهم في التعليم والعمل أم أن اللوم يقع على الفهم الخاطئ لهذا الدين من قبل بعض الفئات.
الشيخ العيسى تحدث بإسهاب عن هذه المسألة، حيث نفى أنه يكون الدين الإسلامي هو المشكلة لأنه لا ينص أبدا على حرمان المرأة من حقها في الدراسة أو العمل، كما تطرق لجهود الرابطة في هذه المسألة والمبادرة التي أطلقتها قبل إسابيع في العاصمة الباكستانية إسلام آباد بهذا الخصوص.
كما شدد على أن المساواة بين الجنسين تتعدى التعليم لتصل حتى مجال المرتبات. حيث نوّه أمين عام رابطة العالم الإسلامي بأهمية هذه المسألة التي تبقى مثار جدل في دول غير إسلامية بحيث أن المرأة لا تحظى بالمساواة في الأجور مقارنة مع الرجل.
“طبعا من حق المرأة الرجل أن تحصل على التعليم من بداية التعليم حتى نهاية طموحها في التعليم بدون استثناء، لا في المراحل الدراسية ولا التخصصات الدراسية. هذا حق مشروع لها. وفي وثيقة مكة المكرمة التي أمضاها ألف ومائتان مفتي وعالم وأربعة الاف وخمسمائة مفكر إسلامي، مادة مخصصة لتمكين المرأة والتحدث عن حقوقها، وشمل الحديث عن حقوقها كافة، ومن ذلك أيضا المساواة حتى في المرتبات، والتي مع الأسف، هناك دول كبرى لا تحظى فيها المرأة بالمساواة في المرتبات. أكدت الوثيقة بتوقيع علماء الأمة الإسلامية ومفكريها على أنه من حقها أن تتساوى بالرجل في هذا، ولا تُحْرّمُ في هذا الشأن لأنها امرأة. ما يتعلق بمؤتمر أو مبادرة إسلام أباد. في الحقيقة، المؤتمر جاء على خلفية مبادرة قدمناها. أدركنا أن كثيرا من النداءات السياسية وحتى الأممية فيما يتعلق بتعليم الفتيات لا يجدي. لماذا؟ لأن الممانعة هنا ليست ممانعة تتعلق بقرار مجتمعي أو بفلسفة معينة، إنما تستند إلى الدين (…) هي قضية دينية من أجل مخاطبة الممانعة أيا كانت الممانعة. نتكلم عن تعليم الفتيات في المجتمعات الإسلامية بكلام عام. والمبادرة تخاطب من تحفظ أيّا كان مكانه. جمعنا لهذا المؤتمرعلماء الأمة الإسلامية وكبار قادة المدارس الإسلامية. ليقولوا كلمة سواء. ليقولوا كلمة الحق. ليوضحوا حقيقة الإسلام وتعاليمه في هذا الموضوع. فالتقوا في اجتماع تاريخي في إسلام أباد بتنوع كبير. وتحدثوا بالإجماع على أن تعليم المرأة حق مشروع لها كالرجل لا تختلف عنه مطلقا. وكان هذا هو الفراغ الذي يجب أن يُعَبّأ. (…) وقد قال علماء الأمة الإسلامية في إجماعهم بأن المرأة من حقها أن تتعلم، دون تخصيص ذلك لا بمراحل دراسية ولا تخصصات دراسية. وليس بعد كلمة علماء الأمة الإسلامية من كلام. وصدر بيان وهو إعلان إسلام أباد. وَضّح ذلك. كان حوارا ثريا جدا مع العلماء وبمختلف المدارس ومختلف الدول. وحضره المجمع الفقهي الإسلامي الدولي في منظمة التعاون الإسلامي. وحضر المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي وقالوا كلمتهم. والمجمع الفقهي يمثل فقهاء الأمة الإسلامية. المجمع الفقهي الإسلامي الدولي ومنظمة التعاون الإسلامي. يمثل علماء الدول الإسلامية والمجمع الفقهي الإسلامي. يمثل فقهاء الشعوب الإسلامية. وقد قالوا كلمتهم أيضا وصار أي حديث بعد هذا عن حرمان الفتيات حديثا غير مشروع. إذن القضية الدينية تمت معالجتها، وهذا هو الهدف من هذه المبادرة والتي تبلورت في المؤتمر أيضا. (…) تم توقيع أكثر من عشرين اتفاقية من أجل أن تكون هذه المبادرة فعالة. وكان هناك منح دراسية أيضا للفتيات. ولا نزال نعمل من أجل أن تكون هذه المبادرة فعالة ملموسة الأثر”.
“مأساة غزة توحّدنا أكثر”
أما بشأن الحرب في غزة، فقد قال أمين عام رابطة العالم الإسلامي إن هذه “الكارثة الإنسانية” توحّد ولا تفرّق وقال إنه من حق الشعب الفلسطيني أن يكون له دولة وعاصمتها القدس الشرقية، مشددا على أنه يؤيد الحوار وهو مع طاولة المفاوضات وضد أي أسلوب من أساليب تفجير المنطقة وفق تعبيره.
“نحن متفائلون. بأن هذه المأساة سيكون لها محاسبة. وهذه المأساة توحدنا أكثر. ولهذا هناك خطاب دولي عالمي وخطاب أممي يدعو الجميع إلى أن يقف موقفا حازما وصارما. المملكة العربية السعودية قادت تحالفا دوليا لحل الدولتين. ولا شك أن هذه العزيمة القوية والمتواصلة الحازمة والصادقة ستنتهي إلى ما ننشده جميعا بإحلال السلام العادل والشامل في المنطقة بسبل الحوار والأسلوب الأمثل في الضغط على إسرائيل من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية. نحن نتفاءل بأن يكون ذلك عاجلا غير آجل”.
يمكن مشاهدة المقابلة كاملة في برنامج Europe Conversation.