القنيطرة- في الطريق من دمشق إلى القنيطرة تهطل زخات من المطر ما تلبث أن تتوقف لتشرق الشمس ويتكرر المشهد طوال مسافة الرحلة الممتدة 67 كيلومترا.
تلامس هذه التغيرات المناخية المعروفة في شهر فبراير/شباط، التقلبات الميدانية التي حدثت في هذه المنطقة الإستراتيجية على تخوم الجولان المحتل فور تخلص السوريين من نظام حكم بشار الأسد فجر الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
فلم تدم فرحة السوريين في القنيطرة بسقوط الأسد سوى ساعات حتى كتمتها إسرائيل بتقدم قواتها إلى المنطقة العازلة في هضبة الجولان التي تحتل معظمها منذ عام 1967 وأعلنت انهيار اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، منتهزة فرصة التغيير الذي حدث في سوريا، حيث توالت التصريحات من تل أبيب بالسيطرة والبقاء في المناطق الجديدة.
وشرعت قوات الاحتلال على الفور بإقامة نقاط ثابتة على جبل الشيخ جنوب غرب سوريا عقب انسحاب عناصر الجيش السوري المنحل منه، ولم تكتف بذلك بل توغلت بعمق وسطي يبلغ نحو 4 كيلومترات على طول الشريط الحدودي مع الجولان المحتل البالغ 76 كيلومترا.
احتلال ونقاط تمركز
وقال مصدر في مديرية الإعلام بمحافظة القنيطرة للجزيرة نت إن الجيش الإسرائيلي تمركز في 9 نقاط على طول الشريط الحدودي الفاصل، واحتل بلدات وقرى الحميدية، والرواضي، ورسم زعل، ورسم الشارع، ورسم الشولي، والقحطانية.
كما أقدمت قوات الاحتلال على تقطيع أوصال تلك البلدات بحيث يمر السكان بطرق التفافية طويلة وصعبة للتحرك إضافة إلى فرض حظر التجوال على سكان تلك المناطق الذين رفضوا مساعدات قدمتها قوات الاحتلال لهم، كما رفضوا الحديث مع قوات الاحتلال متمسكين بتبعيتهم للإدارة الجديدة في دمشق.
وتشمل النقاط العسكرية الإسرائيلية الجديدة في القنيطرة التالي:
- نقطة جبل الشيخ.
- نقطة قمة عرنة أعلى جبل الشيخ حيث بدأت بشق طرق وبناء ثكنة عسكرية.
- نقطة التلول الحمر شرق بلدة حضر، إذ دخلت تلك المنطقة بعد انسحاب القوات الروسية إبان سقوط النظام المخلوع وبدأت بإنشاء ثكنة عسكرية تراقب المنطقة.
- نقطة قرص النفل شمال غرب بلدة حضر في سفح جبل الشيخ يطل على الشريط الحدودي وقسم كبير من ريف القنيطرة الشمالي.
- نقطة جباتا الخشب بالقرب من برج الزراعة في محمية جباتا الخشب الطبيعة وتحتوي النقطة على مهبط مروحي ونقاط مراقبة وشق طريق جديد باتجاه الحدود.
- نقطة في منطقة العدنانية بالقرب من سد المنطرة على تلة مرتفعة بدأ الاحتلال بتجهيزها.
- نقطة داخل مدينة القنيطرة المدمرة بالقرب من برج القنيطرة.
- نقطة تل أحمر غربي جنوب بلدة كودنا، وهي نقطة تكشف الريف الجنوبي للقنيطرة وجزءا كبيرا من ريف محافظة درعا الغربي في محافظة درعا المجاورة.
- نقطة شمال بلدة الحميدية تم تجهيزها وشق الطريق باتجاه الحدود وتم إنارتها وذلك بعدما انسحبت قوات الاحتلال من مبنى المحافظة والمحكمة باتجاه هذه النقطة والتي تكشف المنطقة بشكل تام.
![كتابات بالعبرية خلفتها قوات الاحتلال على حيطان مبنى محافظة القنيطرة والمحكمة المجاورة (الجزيرة نت)](https://ayamalarab.com/wp-content/uploads/2025/02/IMG_4153-1739396453.jpeg)
شاهد على الدمار
وقد تجولت الجزيرة نت في مبنى محافظة القنيطرة والمحكمة بعد أيام على انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي منهما إلى بلدة الحميدية القريبة، لكن دون تمكنها من رصد تمركز قوات الاحتلال بالصورة لخطورة التقاط صور لأماكن تواجد الجنود الإسرائيليين.
وقد عمدت قوات الاحتلال إلى تدمير بعض الأبنية خارج مقر المحافظة وتجريف الأراضي واقتلاع الأشجار وحرق السيارات التابعة للمحافظة.
وبدا المشهد في الداخل ممتلأ بالفوضى والخراب رغم جهود التنظيف وإزالة الحطام المستمرة، إذ أقدم جنود الاحتلال على تحطيم الأثاث والمكاتب وزجاج النوافذ ونشر القاذورات وبقايا الأطعمة والشراب والكتابة باللغة العبرية على حيطان المبنى من الداخل.
![آثار حرائق تركتها قوات الاحتلال بعد انسحابها من مقر محافظة القنيطرة السورية (الجزيرة نت)](https://ayamalarab.com/wp-content/uploads/2025/02/IMG_4130-1739396251.jpg)
أما في محيط المبنى فقد بدت آثار الحرائق التي نفذها جنود الاحتلال لإتلاف وثائق وملفات تابعة للمحافظة والمحكمة المجاورة له، ولم تسلم من الحرائق أجهزة كمبيوتر.
وتظهر في إحدى الزوايا خارج مبنى المحكمة ما تبقى من آثار دراجة نارية دهستها دبابة إسرائيلية، إضافة لما تبقى من هيكل سيارة مدمرة في المنطقة الخلفية لمبنى محافظة القنيطرة التي جرفت الأشجار من حوله.
وقامت الفرق التابعة للدفاع المدني ومؤسسات الدولة الأخرى ببدء عمليات تنظيف واسعة لإزالة مخلفات العدوان الإسرائيلي على مقر المحافظة وتم إزالة السيارات المحترقة قبل يومين بعد أن زارت قوات الأمم المتحدة المكان واطلعت على حجم الدمار الذي خلفه الجيش الإسرائيلي ورفعت تقريرا به للمنظمة الدولية.
![رئيس مجلس بلدية القنيطرة محمد السعيد الجزيرة نت](https://ayamalarab.com/wp-content/uploads/2025/02/IMG_4209-1739396696.jpeg)
دور السلطات المحلية
وعن الأدوار والإجراءات التي تقوم بها السلطات المحلية في ظل الأوضاع الراهنة قال رئيس مجلس بلدية القنيطرة محمد السعيد للجزيرة نت إن المحافظة حاليا مكبلة اليدين بسبب التوغل الإسرائيلي إلا من بعض الخدمات القليلة التي تقدمها للسكان ومن بينها تسليك طرق بديلة بعدما قطعت قوات الاحتلال أوصال الطرق مع البلدات التي توغلت فيها.
كما تتواصل السلطات المحلية مع السكان في البلدات المقطوعة للوقوف على احتياجاتهم.
وأشار السعيد في هذا السياق إلى أن بلدة الحميدية مقطوعة تماما حتى إن قوات الاحتلال حولت الأراضي الزراعية إلى مساتر وحفرت خنادق في تلك الأراضي.
ورغم انتشار قوات إدارة الأمن العام التابعة للحكومة الجديدة في مناطق واسعة من القنيطرة وعلى تخوم المناطق والبلدات التي احتلتها إسرائيل حديثا، فإنها -وفق رئيس مجلس بلدية القنيطرة- تتلافى الاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي لعدم إعطاء مبرر لأي تصعيد لحين إيجاد حل سياسي يؤدي إلى انسحاب قواته.
وأضاف السعيد أن المناطق التي احتلتها القوات الإسرائيلية شكلت بيئة لعناصر مطلوبة تلاحقها إدارة الأمن العام بسبب قضايا الفساد والمخدرات والاتجار بالبشر، مشيرا إلى أن وجود قوات الاحتلال حال أيضا بين عمليات قوات الأمن لجمع السلاح غير الشرعي في المنطقة.
وحمّل السعيد إسرائيل المسؤولية بشأن الوثائق المتلفة أو المفقودة من مبنى المحافظة والمحكمة، لافتا إلى أن كاميرات المراقبة أيضا أزيلت أو أتلفت، كما أشار إلى فقدان أو إتلاف ملفات مئات القضايا من مبنى المحكمة جراء تمركز قوات الاحتلال في المبنيين على مدى 55 يوما.
وتمارس إسرائيل -وفق السعيد- سياسة التهجير رغم تمسك السكان ببلداتهم إذ تحاول تعكير المزاج العام، وتمنع الماء والخدمات وتشوش على الاتصالات على المواطنين السوريين بالمنطقة التي توغلت فيها.
كما بات السكان في بعض بلدات القنيطرة لا يستطيعون الوصول إلى مزارعهم، مما يهدد الثروة الحيوانية بالموت والخسارة بسبب الدمار وخروج المراعي والآبار عن الخدمة جراء تجريف واسع للأراضي الزراعية وقطع أشجار سرو معمرة، وفق المسؤول المحلي السوري.
![الثروة الحيوانية مهددة بالخطر في القنيطرة السورية (الجزيرة نت)](https://ayamalarab.com/wp-content/uploads/2025/02/IMG_4303-1739396002.jpeg)
ثروات ضائعة
تُعرف القنيطرة منذ القدم بأنها سوق دمشق لما تنتجه ثروتها الحيوانية من ألبان وأجبان، لكن ضعف الدعم للمشاريع المحلية الزراعية في المنطقة أثر على تلك الثروة وأدى إلى تراجعها وتهديد استمرارها.
ويقول رئيس بلدية القنيطرة إن “النظام المخلوع تبنى سياسة إفقار وتهجير غير معلن” لسكان المحافظة عبر تقليل دعم المزارعين ومشاريع التنمية الصغيرة ومنع حفر الآبار لاستغلال الأرض والسقاية.
وجراء هذه الإجراءات من النظام المخلوع -وفق السعيد- باتت الثروة الحيوانية في خطر كبير بسبب ارتباطها بالثروة الزراعية ونموها معها.
![سد المنطرة في محافظة القنيطرة السورية (الجزيرة نت)](https://ayamalarab.com/wp-content/uploads/2025/02/IMG_4263-1739397185.jpeg)
وتحدث رئيس بلدية القنيطرة عن وجود 6 سدود في المحافظة، لم يكن هناك أي خطة على أيام النظام المخلوع بخصوصها، إذ لا يتم الاستفادة إلا من نحو 5% من مياه تلك السدود في الري فقط.
وبحسب إحصاءات مديرة الموارد المائية واستصلاح الأراضي في القنيطرة يبلغ الحجم التجمعي لمياه السدود نحو 83 مليون متر مكعب تتشكل على النحو التالي:
- سد المنطرة وهو أكبرها ويبلغ مقدار التجمع المائي فيه 40 مليون متر مكعب.
- سد كودنا ويبلغ مقدار التجمع المائي فيه 31 مليون متر مكعب.
- سد الرقاد ويبلغ مقدار التجمع المائي فيه 9.2 ملايين متر مكعب.
- سد بريقة ويبلغ مقدار التجمع المائي فيه مليون متر مكعب.
- سد روحين ويبلغ مقدار التجمع المائي فيه نحو مليون متر مكعب.
- سد الهجة ويبلغ مقدار التجمع المائي فيه 850 ألف متر مكعب.
ويرى خبراء في المنطقة أنه يمكن توليد الكهرباء عبر السدود وتوسيع مجاري الري ودعم مشاريع التنمية الصغيرة حول السدود.
كما تتميز القنيطرة بوجود مساحة واسعة مفتوحة هوائيا يمكن الاستفادة منها في إقامة عنفات مراوح هوائية ضخمة لتوليد الطاقة الكهربائية، وهو ما تفعله إسرائيل على الجانب الآخر في الجولان المحتل.
وتتمتع المنطقة بأجواء صيفية وشتوية تجعلها مثالية لزارعة أنواع كثيرة من الخضار والفواكه وربما عمل مشاريع سياحية.
وبمقارنة بسيطة بين المنطقة والموارد الطبيعة فيها وبين الجانب السوري من الشريط الفاصل مع الجولان المحتل تجد صحراء قاحلة بسبب منع حفر الآبار لاستثمار الأراضي، في حين أن الطرف الإسرائيلي يستغل المنطقة بالزراعة والمشاريع لتوليد الطاقة.
وبانتظار ما ستؤول إليه الأيام والأشهر وربما السنوات القادمة يبقى السؤال هل سيكون للقنيطرة من اسمها نصيب؟. لتصبح جسر عبور من ماض مظلم إلى مستقبل مشرق.