لندن – تكشف الأزمة الاقتصادية في بريطانيا النقاب عن تحديات جديدة أمام الأقليات المسلمة في الوصول إلى الطعام الحلال، خاصة أن العام الماضي شهد العديد من التحذيرات بشأن وصول بنوك الطعام في المملكة المتحدة لنُقاط الانهيار.
ومع تصاعد احتياجات المجتمع إلى بنوك الطعام، تتزايد بالتبعية الاحتياجات الاستثنائية مثل الطعام الحلال وأغذية مرضى السكري الخالية من اللاكتوز أو الغلوتين، وغيرها من الحميات الخاصة، مما فاقم الضغوط على بنوك الطعام.
يأتي هذا في الوقت الذي ارتفعت فيه تكلفة فواتير الغاز نحو 130%، في حين بلغ تضخم أسعار الغذاء بشكل عام 16.7% وترتفع بشكل أكبر تكلفة الأغذية التي تصنف كحمية خاصة.
في هذا السياق، تواصلت الجزيرة نت مع كايت كيرتوس مسؤولة “بنك طعام لوف وركس” (love works) والذي يخدم مقاطعة ساري الواقعة جنوب شرق لندن، وأكدت المسؤولة أن الوضع خرج عن السيطرة خلال عام واحد فقط.
وتضاعفت أعداد متلقي الطرود الغذائية من 741 طردا عام 2019 إلى 2590 طردا في عام 2022. وأوضحت كايت أن الطلب يزداد على طرود الطعام في فصل الشتاء بسبب ارتفاع فواتير التدفئة، فالخيار أمام العديد من الأسر إما فواتير التدفئة أو الغذاء.
ارتفاع أعداد المقبلين على بنوك الطعام
تلقى بنك طعام “لوف وركس” استغاثات عدة بشأن توفير الأغذية الخاصة مثل أطعمة مرضى السكري ومرضى حساسية الغلوتين، بالإضافة إلى احتياج الطعام الحلال.
ويعتمد بنك طعام “لوف وركس” على التبرعات العينية وليست المادية، ورغم دعواتهم المستمرة لتلقي كافة أنواع التبرعات، فإن التبرعات التي يتلقاها البنك لا تلبي طلبات الاستغاثة الذي يتلقاها خاصة في تلك الفئات الاستثنائية.
ومما فاقم الأزمة أن الاستغاثات بدأت تتضمن أشياء خارج إطار الطعام، حيث يتلقى البنك متطلبات العناية الشخصية، لذلك أضاف بندا جديدا لاستلام تبرعات عينية من الصابون وفرش الأسنان وحفاضات الأطفال والفوط الصحية للنساء.
فرز وتدقيق للاحتياجات الاستثنائية
يقوم بنك طعام “لوف وركس” بالتدقيق بشكل كبير في كافة المنتجات المرسلة في الطرود لتناسب احتياجات الأسرة الخاصة من المسلمين ومرضى الحساسية وداء السكري، ولكن تشكل اللحوم الحلال تحديا غير مسبوق للأسر المسلمة، حيث توفر بنوك الطعام الرسمية طرودا من الأغذية الجافة والمعلبات ومنظفات وخضروات وفواكه ومعجنات طازجة، مقدمة من مطاعم المنطقة.
وحاول بنك “لوف وركس” البحث عن حلول بديلة للأسر المسلمة وتوفير بعض المعلبات الحلال، لكن وصلت تكلفة النقانق الحلال إلى 10 جنيهات إسترلينية، وهي 10 أضعاف تكلفة النقانق غير المخصصة للحلال بالمنطقة.
أسر مسلمة لم تتناول اللحوم منذ عامين
تواصلت الجزيرة نت مع بعض الأسر المسلمة التي تتلقى الدعم من بنوك الطعام في منطقة “ريد هيل ساري”، وهم من طالبي اللجوء ويقيمون بمقار سكنية مؤقتة، حيث يتم تغطية تكاليف الإقامة والفواتير، كما يتلقى طالبي اللجوء مبالغ مالية تتراوح بين 9 إلى 45 جنيها إسترلينيا في الأسبوع، مع وجبات أوكوبونات غذائية.
ورغم أن بعض الغرف فيها مطبخ فإن العديد من الأسر لا تمتلك أدوات طبخ من الأساس، حيث أجرت الجزيرة نت جولة في هذا المبنى للحديث مع بعض الأسر.
وتقول سيدة من طالبات اللجوء -رفضت ذكر اسمها- إنها لم تتذوق طعم اللحم منذ عامين أو أكثر، وتقول “بالتحديد منذ أن كنت في مقر فندق مؤقت آخر يقدم الطعام جاهزا”.
في حين أضافت سيدة أخرى “لقد أكلت لحم العام الماضي في عيد الأضحى عندما قدم لنا بعض المسلمون تبرعا من لحوم الأضحية، فيما دون ذلك لا نحصل على أي لحوم من بنوك الطعام، فقط التونة المعلبة”.
وتعاني الأسر المقيمة بالمقر من معرفة موقفهم القانوني، حيث صرح أفرادها للجزيرة نت أنهم عالقون في هذه المرحلة (طلب اللجوء) لمدة تجاوزت الثلاث أعوام، وحصل بعضهم مؤخرا على تصريح عمل، في حين لا يزال طلبهم للجوء معلقا.
وحاولت طالبات اللجوء التواصل مع مسجد المنطقة، لكنهن لم يتلقين أي ردود تتعلق بالدعم من المسجد الذي يبعد 5 دقائق سيرا على الأقدام عن مقر إقامة طالبي اللجوء.
يأتي هذا وسط مخاوف مجتمعية بالتواصل مع طالبي اللجوء، بسبب ما يتم تداوله من أخبار عن عواقب التواصل معهم، بسبب القانون الجديد الذي يجرم مساعدة طالبي اللجوء الذين دخلوا البلاد بطرق غير نظامية.
ويصعب على أفراد المجتمع التحقق من طريقة دخول طالبي اللجوء ومدى قانونية ذلك، وبذلك يقف المجتمع أمام حل وحيد وهو انتظار الجهات الرسمية لحل الأزمة.
تباين التوزيع الجغرافي
يبلغ تعداد المسلمين في مقاطعة ساري في المرتبة ما قبل الأخيرة بتقدير يصل إلى 3.2% من إجمالي عدد السكان، في حين ترتفع نسبة السكان المسلمين في برمنغهام فتصل إلى 29.9%، الأمر الذي يفسر الفارق الكبير في تلقي الخدمات المختصة بالمسلمين بشكل عام بين المقاطعتين.
ويتزايد تعداد المسلمين في بريطانيا، وتتمركز العديد من المجتمعات الإسلامية في مدن بعينها مثل مانشستر وبرمنغهام، في حين تعاني العديد من الأسر الإسلامية التي تسكن في أماكن يشكلون فيها الأقلية النادرة، مما يؤدي بالتبعية إلى ندرة شديدة بالخدمات المقدمة إلى المسلمين في تلك المناطق، لا سيما الطعام الحلال.
وفي المقاطعات التي يوجد فيها مجتمعات إسلامية بشكل أوسع، يسمح التكاتف المجتمعي بفتح بنوك طعام حلال لا تغطي فقط احتياجات المسلمين في المنطقة، لكنها تفتح الباب على مصراعيه لكل سائل بغض النظر عن خلفيته الدينية.
وتقدم مؤسسة “أيادٍ مسلمة” (muslim hands) وجبات حلال يوميا في مناطق متفرقة بالمملكة المتحدة.
تواصلت الجزيرة نت مع مسؤول المطبخ بالمؤسسة عمران خان، حيث أكد أن المؤسسة توفر مئات الوجبات الساخنة يوميا، بدون تخصيص الوجبات للمسلمين فقط، لكن كل الوجبات المطبوخة هي من اللحوم الحلال.
ومع ذلك، فإن أقرب بنك طعام يقدم لحما حلالا مطبوخا للأسر المتضررة في مقاطعة ساري بالجنوب، يبعد قرابة الساعة والنصف حيث يوجد في مدينة هانسلو شمال ساري بالعاصمة لندن، وبكلفة مالية مرتفعة للانتقال تتجاوز تكلفة 10 وجبات، وبذلك تصبح تكلفة الوصول إلى الطعام أعلى من الطعام نفسه.